تسوية كيري "الروسية الإيرانية" في سورية: مرفوضة سعودياً

تسوية كيري "الروسية الإيرانية" في سورية: مرفوضة سعودياً

26 يناير 2016
الرياض والمعارضة السورية لن تقبلا بتسوية كيري(جاكلين مارتين/فرانس برس)
+ الخط -

ليست الثورة السورية وحدها التي تمر بلحظات حرجة، جراء حمل وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، مطالب روسية – إيرانية إلى الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، والمنبثقة في إثر اجتماع المعارضة في الرياض الشهر الماضي، بل يبدو أن العلاقات السعودية الأميركية نفسها تتأثر سلبياً على المدى البعيد، على الرغم من التأكيدات اللفظية على عمق هذه العلاقات واستراتيجيتها للطرفين.

اقرأ أيضاً: ابتزاز الوفد السوري المفاوِض: ممثِّلو العسكر مقابل "معارِضي موسكو"

لقد عبّر زير الخارجية الأميركية، وفي لحظة واحدة من زيارته للعاصمة السعودية الرياض، عن موقفين متناقضين للولايات المتحدة تجاه المنطقة؛ إذ قلل من أهمية الاتفاق النووي مع إيران، باعتباره مجرد اتفاق لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، ولا يعني أي تغير لأولويات أميركا في المنطقة، أو تحالف مع طهران، أو أن تتأثر علاقة واشنطن التاريخية مع حلفائها في دول الخليج سلباً. لكن في الوقت نفسه، عبر كيري عن تبني كامل لوجهة النظر الروسية الإيرانية، في اجتماعاته مع المعارضة السورية، في الرياض، الأمر الذي قد يحمل مؤشراً خطيراً على أن تسوية أميركية – روسية ستُفرض في سورية، وستأتي لصالح طهران، على حساب قوى إقليمية، أبرزها السعودية.

ورأى الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، في حديث مع"العربي الجديد" أن الدول الإقليمية المعنية بالحرب السورية لن تقبل التسوية التي يحملها كيري لسببين، الأول أن "خطة كيري سوف تؤدي إلى انتصار إيران وهيمنتها على سورية، وهذا غير مقبول استراتيجياً لا للسعودية، ولا لتركيا، التي ترفض وجود قواعد روسية في سورية، وبالتالي سترفض أي وجود إيراني". والسبب الثاني بحسب خاشقجي، يكمن في أن وصفة كيري سيئة، ومصيرها الفشل، "لأنها تطلب من المعارضة السورية شيئاً لا تستطيع تقديمه".

واعتبر خاشقجي أن "المعارضة السورية لن تقبل بتسوية كيري، فالثورة السورية بدأت لأجل إسقاط نظام الأسد واستبداله". وأضاف: "المعارضة السورية لم يصنعها أحد، لا تركيا ولا قطر ولا السعودية، فهي معارضة وطنية قامت هذه الدول بواجبها تجاهها"، مما يعني أن المعارضة مرهونة بمطالب الثورة السورية الأساسية لا غير. وحول خيارات الدول الإقليمية إزاء خطة كيري، رأى خاشقجي أن هذه الدول "ستستمر في دعم المعارضة السورية، حتى في حال وجود فيتو أميركي". 

وتساءل الكاتب السعودي حول دوافع الموقف الأميركي، والذي رآه إما نتيجة لـ "استسلام أميركي بسبب عدم الرغبة أو القدرة على التدخل في سورية"، أو نتيجة لما اعتبره أجندة إسرائيلية، إذ إن "وزير الخارجية الأميركي يأتي وفي جيبه الوثيقة، التي تتحدث عن اعتراف بشار الأسد بإسرائيل"، فيحاول فرض تسوية تخدم الجانب الإسرائيلي، على حدّ تعبيره.

ورأى مراقبون أن هذه التسوية المفترضة لم تكن لتطرح أميركياً لولا الاتفاق النووي، الذي رفع العقوبات عن طهران، ومحاولة دمجها في المجتمع الدولي، على الرغم من كل التصعيد السعودي ضد تدخل إيران في الدول العربية، وفي المقدّمة سورية. بالإضافة إلى أن تسوية من هذا النوع، لا تخلّ فقط بالتفاهمات الخليجية – الأميركية في كامب ديفيد (مايو / أيار 2015) والتي تنص على حماية الخليج من إيران، وترك التعامل مع أدواتها في المنطقة للخليجيين أنفسهم، بل تأتي لتفرض أدوات إيران في المنطقة بحجة مواجهة الإرهاب، الأمر الذي لا يبدو أن دبلوماسية الرياض ستقبل به.

أطروحة كيري لمحادثات جنيف 3 تختلف تماماً عن الرؤية التي تتبناها المعارضة السورية، ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، والمدعومة من قوى إقليمية؛ فالتسوية الأميركية – الروسية، والتي حمل كيري رسائلها، لا تنص على رحيل الأسد في أية لحظة من لحظات الاتفاق، بل على العكس، تطرح إمكانية ترشحه في أية انتخابات مقبلة، على الرغم من أن السعودية تتخذ موقفاً صارماً من وجود الأسد في السلطة، ولوحت باستمرار بأنه "لا مكان للأسد في سورية"، إن كان عبر تسوية سياسية أو باستخدام الخيارات العسكرية؛ الموقف الذي تكرر كثيراً خلال العام الماضي على لسان وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير.

الأمر لا يقتصر على الموقف من الأسد، بل يمتد إلى فكرة التسوية السياسية بأكملها في سورية، والتي اعتمدت جنيف 1 كأرضية لها. وبحسب جنيف واحد، فإن رحيل الأسد وقادة النظام، وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية في مرحلة انتقالية، أهم النقاط، التي يمكن أن تنطلق منها أية مفاوضات تسوية سياسية.

وبالتالي، تعتبر التسوية الأميركية الروسية، بالنسبة إلى الرياض، انقلاباً على جميع أفكار جنيف 1، إذ لا توجد "مفاوضات" بل "محادثات" ولا هيئة انتقالية بل "حكومة وحدة وطنية". فكل ما يريده كيري هو إعادة تأهيل النظام والدولة في سورية، من أجل محاربة الإرهاب، بغض النظر عن أية مطالب أخرى للسوريين. وهو ما أعلن عنه كيري صراحة، بقوله إن أميركا "لن تتدخل بشأن سورية إلا لمحاربة الإرهاب"، بينما تتبنى وبشكل كامل الأجندة الروسية الإيرانية، أي أنها لم تلتزم بالحياد الذي تعلنه، بل تتدخل، لصالح الطرف الذي قالت إنها لن تتسامح معه.

ويأتي موقف كيري الأخير من المفاوضات السورية بموازاة الأجندة المعلنة لنائب الرئيس الأميركي، جو بادين، والتي أعلنها خلال زيارته إسطنبول قبل يومين، واجتماعه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أجل "تكثيف جهود محاربة تنظيم (الدولة الإسلامية /داعش)، ليحدد صلب أولويات أميركا في المنطقة، والتي لا تتضمن الاشتباك في الصراع العربي – الإيراني في المنطقة، أو الاستجابة لهواجس الخليج حول تداعيات الاتفاق النووي مع إيران. وتؤكد مواقف كيري وبايدن، أن اشتباك واشنطن في المنطقة لن يكون إلا في إطار محاربة الإرهاب، والذي يبدو أنه سيأتي هذه المرة لصالح إيران، بحسب الخطة الأميركية – الروسية في سورية.

وبحسب تسريبات، فإن هيئة التفاوض العليا للمعارضة السورية تتناقش الآن خيارات تتراوح بين مقاطعة مفاوضات جنيف، أو الذهاب إليها ورفض الإملاءات الأميركية الروسية، أو التنسيق مع القوى الإقليمية من أجل "الانتقال إلى حرب تحرير وطنية ضد الاحتلال الروسي – الإيراني"، الأمر الذي يفترض أن تتخذ الهيئة قراراً بشأنه يوم غدٍ، الثلاثاء.

ومن المستبعد أن تقوم الرياض بدعم الخيار الأول أو الثالث، باعتبار أن الأول سيضعف جانب المعارضة السورية كونها رافضة للحلول السياسية. والثالث سيكون بمثابة تصعيد لن يتخذ كرد فعل. فالمتوقع أن تدعم الرياض مواقف متصلبة تجاه الأجندة الأميركية – الروسية في جنيف 3، دون مقاطعة المؤتمر، خصوصاً أن التسوية الأميركية – الروسية المعلن عنها الآن، لن تأتي فقط لصالح نظام الأسد، ولكنها سترسخ النفوذ الإيراني، في دولة عربية تراها الرياض مفتاحاً لإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية "تقاوِم": ضغط أميركي-روسي لمصلحة موسكو والنظام

المساهمون