تركيا ــ ألمانيا: جولة في مواقع تاريخية

تركيا ــ ألمانيا: جولة في مواقع تاريخية

31 أكتوبر 2014
كابدوكيا حيث كنائس ورسوم محفورة في الصخر (Getty)
+ الخط -
تعتبر تركيا من أكثر الوجهات السياحيّة التي يقصدها السيّاح الألمان عادة، وتربط البلدين علاقات وثيقة وقديمة، تجلت مرّة باستجارة أينشتاين بالمسؤولين الأتراك، خلال الحرب العالمية الثانية، ليأمنوا ملجأ آمناً لألف عالم يهودي ألماني، فما كان من السلطات التركية حينها، إلا أن فتحت أبوابها لاستقبالهم.

وتعدّ ألمانيا بالمقابل من أولى بلدان العالم استضافة للعمالة التركية. لمستُ عمق هذه العلاقة في عدة جوانب، منها كثرة المتعلمين الأتراك الذين أنهوا دراستهم في جامعات ألمانية، وعادوا إلى تركيا ناقلين إليها الخبرة الألمانية، ناهيك عن أن أغلب الباعة وأصحاب المحلات، إضافة إلى مدراء الشركات والمعامل التي زرناها، يتحدثون اللغة الألمانية بطلاقة.

قونية مدينة اللاجئين والهاربين

استمدّت مدينة قونيا شهرتها من الصوفي الشهير الشاعر جلال الدين الرومي، لكنها لم تكن فقط ملاذه إثر الغزو المغوليّ، بل كانت أيضاً ملجأً للقديسة تقلا في الأزمنة الغابرة، كما أنها تشهد حركة عمرانية كبيرة، وأصبحت في الفترات الأخيرة مقصداً لعديد من المهرجانات الموسيقية.

لقد تحوّل مقام ومسجد الرومي إلى متحف مفتوح للجميع، بمن فيهم النساء بغطاء رأس أو من دونه. ينبض قلب المسجد بروح الرومي الذي ذاب عشقاً بالله تعالى، كما كانت حياة الرومي نفسه مسلماً منفتحاً، ومن اللافت للنظر الحماية الأمنية التي تقف حاجزاً بين الزوار والمقام، حماية أمنية للتراث والتاريخ تستحق الاحترام.

بجانب المقام تجد مجموعة من الغرف الصغيرة، جمعت بها أغراض الرومي وصديقه الدرويش شمس الدين التبريزي، ولكن رؤية الأشياء والبقايا لا تعني شيئاً دون معرفة الحكايا التي جمعت بين الرومي وشمس الدين التبريزي والتجربة الروحية التي عاشها الرومي على يد شمس. ومن الجدير ذكره أن رواية قواعد العشق الأربعون، التي تنقل تاريخ هذه العلاقة، ترجمت السنة الجارية إلى اللغة الألمانية. ولعله من الحكمة في ظل تحولات صعبة تعيشها الأمّة الإسلامية، إلقاء الضوء قليلاً على الجانب الروحاني لأهل التصوف، لهذا كان من ضمن برنامج الزيارات حضور عرض للمولوية التي أسّسها الرومي، ولاقى العرض إعجاب الكثير من الألمان.

كابدوكيا بتراء تركيا

كابدوكيا كما تُسمَّى باللغة التركية هي أرض الخيول، ويصح أن يقال عنها بتراء تركيا، فإذا كانت البتراء قد حفرت في الحجر الصلب وسكنها الناس في القديم وميزها لونها الأحمر، فإن كابدوكيا كذلك حفرت بالحجر وسكنها الناس في القديم وحتى الآن، حيث تعد مكاناً جيداً للهروب من حرّ الصيف، كما كانت في القديم ملجأً آمناً للسكان الأتراك من الغزوات. لون الحجر يميل إلى الصفرة تارة وإلى الرمادي والأحمر تارة أخرى، مما يثير في النفس ألقاً رائعاً. كابدوكيا الحجرية خبأت أيضاً كنائس تعود إلى عهود قديمة، حيث لجأ إليها الرهبان وتركوا خلفهم رسومات مسيحية. هذه الكنائس الحجرية، قديمة للغاية وسبقت بكثير ظهور الكنيسة بشكلها المتعارف عليه، من أشهرها الكنيسة المظلمة، كنيسة بربارة التي كان للمستشارة أنجيلا ميركل زيارة خاصة لها.

معامل تركيا تشهد نهضة

كما كان لنا برفقة "كرم" زيارات إلى معامل متعددة في أنطاليا، منها معمل النسيج الذي تدعمه الحكومة. سجادات من جميع الأشكال والألوان تم تقديمها في عرض خاص قام به مدير الشركة. سجادة استهلكت ست سنوات من العمل، ولا تتجاوز 60 سم طولاً و30 سم عرضاً. سجادات صنعتها أيادي النساء الأرمنيات تحت عنوان شروق الشمس، ألوان تسحر القلوب وتثير البهجة. سجادة حديقة السلطان الزرقاء بألوانها السماوية تنقلك إلى عالم آخر، سجادات عتيقة عبارة عن سجادة مكونة من المرقَّعات، سجادة أخرى نسجت خريطة تركيا، دقة عالية في نسج الحدود وروعة في توزيع الألوان. الأسعار مرتفعة جداً، لكن العمل اليدوي المتقن مدعاة تقدير.


خبرة أرمنيّة

في معمل المجوهرات يستقبلك المدير بخاتم ذهبي يضعه في يد إحدى السيدات الزائرات، ويحدّثنا عن الإمكانيّات العديدة لاستخدامه. خاتم وعلاقة وملقط، عرض يجذب قلوب النساء إلى عالم الذهب والمجوهرات. عرض متقن لا ينقصه الذكاء ولا الخبرة. كان للعمال الأرمن في المعمل حصة الأسد من التعريف، فهم المهرة البارعون يعملون بمهنة توارثوها جيلاً بعد جيل، وحفظوا أسرارها، لهم وحدهم ولأولادهم. مهنة الصياغة، إنها مهنة الأرمن السريّة.
في معمل الجلديات، كان العرض مضحكاً وغريباً، حينما استخدم المدير المسؤول ضيفين من الألمان وألبسهم جاكيتات جلدية وطلب منهم تقليد عارضي الأزياء، وهم بدورهم برعوا في السير على خشبة المسرح، وتقليد ما تفعله العارضات والعارضون العالميون، قبل أن يبدأ العرض الحقيقي لجاكيتات جلد متنوعة الأشكال، منها ما يناسب الذائقة الأوربية، ومنها ما يناسب الذائقة الروسية بهدف جذب شريحة أكبر من السياح.
ما يراه السائح هنا يشهد في مجمله على نهضة تركيا على صعيد الاقتصاد والسياحة، ويبشر بالأفضل.

كرم مرشدنا الخاص
قال "كرم"، مرشدنا السياحيّ في بداية رحلتنا، إنه ليس مثل بقية زملائه الأتراك، فهو لا يجيد المزاح وإلقاء النكت على السيّاح، وقد لاحظ أنه عندما يحاول أن يفعل ذلك لا يسمع ضحكاً يلي مزاحه، كما أنه لا يستطيع أن يغني، فصوته من القبح بحيث لا يمكن سماعه، وكذلك ليس لديه موهبة خلق ألعاب تناسب رحلات الباص الطويلة، ولكن لكرم موهبة أكثر أهمية، فهو الحكواتي العارف بخبايا بلاده، وكذلك عاش في ألمانيا، فتعرف على طباع زائره. 

هذه الخبرة المشتركة جعلت لحكايا كرم معنى فريداً.
حدثنا عن جدّاته المهاجرات إلى ليبيا وأميركا، وكيف تحولت إحداهن إلى أميّة بين ليلة وضحاها عندما ألغى أتاتورك الأحرف العربية، وكذلك عن أمل أمّه أن يكون مهندساً، الأمر الذي حطمه باختياره مهنة مرشد سياحي، وعن حلم طفولته في التهام الموز الألماني، فالصورة التي شكلها عن ألمانيا من خلال الأتراك المهاجرين، تتمحور في ثلاث نقاط، موز كبير، وطرقات جيدة للدراجات، وتلفزيونات يمكن الحصول عليها من الشارع. لكنه عندما سافر إلى ألمانيا ولم يكن عمره يتجاوز الثامنة، وجد الموز لذيذاً، لا يبلغ طوله نصف متر! كما أن التلفزيونات التي يمكن الحصول عليها منتهية الصلاحية، على قارعة الطريق تأتي سيارة البلدية، وتجمعها في قمامة إعادة التدوير، ولكن الدراجة والطرق الآمنة، بخلاف طرق تركيا، كانت حقيقة أثارت الفرح في قلبه.

المساهمون