تركيا: طلاق سياسي مبكر بين الحزب الحاكم واليمين المتطرف

تركيا: طلاق سياسي مبكر بين الحزب الحاكم واليمين المتطرف

24 أكتوبر 2018
بهجلي: سنقوم الآن برسم مسارنا الخاص (الأناضول)
+ الخط -


بعد أن أدى التحالف بينهما في الانتخابات النيابية والرئاسية المبكرة في تركيا في 24 يونيو/حزيران الماضي، إلى إيصال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى سدة الرئاسة، والفوز بغالبية نيابية، أعلن زعيم حزب الحركة القومية اليميني القومي المتشدد، دولت بهجلي، أن حزبه سيدخل الانتخابات المحلية، التي ستجرى في مارس/آذار المقبل، منفرداً، لكنه، مثل أردوغان، أبقى الباب مفتوحاً أمام إمكانية الإبقاء على "الحلف الجمهوري" مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وكان "الحركة القومية" قد أبرم تحالفاً مع حزب العدالة والتنمية في إبريل/نيسان الماضي، كمقدمة للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي. وتمكن "الحلف الجمهوري"، الذي يضم حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية، من حيازة 53 في المائة من الأصوات في البرلمان، محققاً أكثر من 340 مقعداً في البرلمان الجديد من أصل 600، فيما حاز "حلف الشعب"، الذي يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد المنشق عن الحركة القومية، 34 في المائة من الأصوات. وقارب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الـ11 في المائة من الأصوات، واجتاز بذلك العتبة الانتخابية، ليدخل البرلمان بـ66 نائباً. ويأتي الانشقاق الانتخابي مع حزب العدالة والتنمية الحاكم (290 نائباً) وسط صراع حول مقترح العفو عن محكومين، تقدم به "الحركة القومية". يشار إلى أن أردوغان كلف وزارة العدل تقييم موضوع العفو، رافضاً أن يكون القانون من أجل تفريغ السجون فحسب. كما يتصارع الحزبان بشأن مسألة "القَسَم الطلابي" الذي أمر القضاء بإعادة العمل به أخيراً، ويدافع عنه حزب الحركة القومية، وسط معارضة من حزب العدالة والتنمية. وكان "الحركة القومية" جزءاً أساسياً من تحالف أردوغان الانتخابي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وفشل حزب أردوغان في الوصول إلى أغلبية برلمانية ويجب أن يعتمد على النواب القوميين.

وأدى تصريح بهجلي إلى انخفاض سعر الليرة التركية أكثر من ثلاثة في المائة، بما يضعها على مسار صوب أسوأ يوم فيما يزيد على شهر. ونزلت الليرة إلى 5.8475 للدولار مقارنة بإغلاق أول من أمس البالغ 5.6640 ليرات. يشار إلى أن العملة التركية فقدت، وسط خلاف مع واشنطن، نحو 35 في المائة من قيمتها مقابل الدولار هذا العام نتيجة للقلق بشأن قدرة البنك المركزي على كبح تضخم في خانة العشرات.
وكان قد جرى الحديث كثيراً خلال الاستعدادات للانتخابات المحلية عن استمرار "الحلف الجمهوري" بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" اليميني المتطرف. وما زاد من هذه التوقعات هو عدم تسمية "الحركة القومية" مرشحاً له لرئاسة بلدية إسطنبول، ما فُهم على أنه دعم لمرشح "العدالة والتنمية"، وهو الأمر الذي لم يؤكده الأخير، حتى على لسان أردوغان الذي اكتفى بالإعلان أنه منفتح دائماً للقاء رئيس "الحركة القومية" دولت بهجلي، ما يشير إلى أنه لم تجر مفاوضات حقيقية بعد لانعقاد تحالف كهذا، ويعتبر مجرد إشارة ربما لتوحّد الطرفين في بعض الولايات والمدن.


وأعلن رئيس الحركة القومية، دولت بهجلي، أمس الثلاثاء، أنه لن يمضي قدما في تحالف انتخابي تم تشكيله مع حزب العدالة والتنمية. وأعلن بهجلي، خلال اجتماع لنواب حزبه في البرلمان، أنه سيحدد مرشحيه في الانتخابات المحلية التي ستجرى في مارس/آذار العام 2019. وقال بهجلي، وسط هتاف النواب، "سنقوم الآن برسم مسارنا الخاص. ولا نخطط للتحالف". لكن وكالة "الأناضول" نقلت عن بهجلي قوله للصحافيين، عقب كلمته أمام الكتلة النيابية لحزبه، "استمرار الحلف الجمهوري" مع التأكيد على أن الحركة القومية سيخوض الانتخابات المحلية منفرداً. لكن أردوغان تمسك بالتحالف الذي أوصله إلى الرئاسة، بنسبة 54 في المائة، فيما أشار إلى أنه لا يوجد أي مشكلة في دخول حزب الحركة القومية الانتخابات المحلية منفرداً. وأكد أردوغان، خلال كلمة أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، أهمية سد الطريق أمام أي تداعيات سلبية للخلافات في وجهات النظر بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، من شأنها زعزعة "التحالف" بينهما. وأعرب أردوغان عن رغبته في استمرار "الحلف الجمهوري" مع حزب الحركة القومية، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى أن حزب الحركة القومية إذا أراد خوض الانتخابات المحلية منفرداً، فلا مشكلة في ذلك. وشدد أردوغان على أن الحلف من أهم المكتسبات التي تحققت خلال الأعوام الأخيرة في البلاد. وأبدى رغبته في المضي به إلى المستقبل. وأوضح أن حزب العدالة والتنمية مصمم على النأي بـ"الحلف الجمهوري"، عن النقاشات السياسية اليومية.

وقال أردوغان خلال حديثه عن العفو عن السجناء والحلف مع الحركة القومية إن "تركيا دخلت بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز 2016، مرحلة جديدة، بما فيها المجال السياسي. ولا شك أن هناك تعاونا سياسيا فعالا مع حزب الحركة القومية ضد الإرهاب أيضاً. لقد عقدنا اتفاقاً مثمراً في البرلمان وتجلى ذلك في الاستفتاء الشعبي في 16 إبريل/نيسان الماضي وانتخابات 24 يونيو/حزيران. ولا شك أنه لا يتحتم في قضايا محورية على الحزبين السير في نفس الطريق. إن لكل من الحزبين رؤيته وقد نختلف في بعض القضايا، مثل موضوع العفو عن المساجين. عند إثارة موضوع العفو عن السجناء أصدرت تعليمات للبحث في الموضوع، وما توصلنا إليه أن الإقدام على هذا الأمر سيجرح ضمير الشعب وهناك انزعاج، وأنا قلت إنني لست متفائلاً ولست متجاوباً مع هذا الأمر. لا شك أنه يمكن للدولة أن تعفو عن الجرائم المرتكبة ضدها وليس ضد الشعب والأفراد. يجب أن نعرف ونستوعب أنه إذا كان العدل أساس الملك والحكم فنحن ملزمون بإقامة هذا الحكم". وكان أردوغان قال، في مقابلة مع قناة "إكوتورك"، إنه سيحافظ على المفهوم الذي أرساه "الحلف الجمهوري" بين حزبي العدالة والتنمية، والحركة القومية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وأوضح أردوغان أن هناك خطوات سيقدم عليها مع بهجلي، في الفترة المقبلة، استعداداً للانتخابات المحلية، موضحاً أن الحزبين شكلا فريقين للعمل معا وإجراء نقاشات تتعلق بالانتخابات المحلية.

وكانت الحكومة التركية الأولى في النظام الرئاسي الجديد، والتي خرجت إلى النور في يوليو/تموز الماضي، حملت العديد من المفاجآت، أبرزها غياب حزب الحركة القومية عن المشهد الحكومي، ما طرح تساؤلات عن مدى التعاون بين الحليفين في "الحلف الجمهوري"، إذ تنازل "الحركة القومية" عن رئاسة البرلمان أيضاً. وتختلف الانتخابات المحلية عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة لعوامل داخلية وخارجية، منها التحوّل إلى النظام الرئاسي غير واضح المعالم في تفاصيله حتى الآن بالنسبة لطيف من الأتراك، وعدم تحقيق هذا النظام أي تقدّم في الجانب الاقتصادي على الرغم من كل الوعود التي بُني عليها، من الاستقلالية والرفاه والتقدّم، إذ تراجعت العملة المحلية وارتفعت الأسعار، ودخلت البلاد في مقدمة أزمة اقتصادية أدت إلى سياسة تقشف شديدة.

المساهمون