تركيا أقرب إلى الانتخابات المبكرة

تركيا أقرب إلى الانتخابات المبكرة

15 اغسطس 2015
من المباحثات الأخيرة بين داود أوغلو وكلجدار أوغلو (الأناضول)
+ الخط -
يحاول جميع الأحزاب التركية التملّص من مسؤولية فشل تشكيل الحكومة الائتلافية أمام الرأي العام التركي، فيلقي كل منها المسؤولية على الآخر، غير أنه بالنظر إلى التفاصيل، تبدو جميع الأحزاب التي شاركت في المشاورات الحكومية، متعاونة للذهاب إلى الانتخابات المبكرة، المتوقعة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك على وقع الاشتباكات مع حزب "العمال" الكردستاني والحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

منذ البداية كان أداء حزب "العدالة والتنمية" واضحاً في ما يخص التوجه نحو الانتخابات المبكرة، فاختار كسر التقاليد الائتلافية التي تستوجب أن يكون رئيس البرلمان من الحزب الحليف في الحكومة، ورفض دعم مرشح حزب "الشعب الجمهوري" دينيز بايكال، مفضلاً اختيار مرشحه عصمت يلماز. وترجم "العدالة والتنمية" بذلك رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان عن عدم تفضيله للحكومات الائتلافية، مؤكداً أن "معظم هذه الحكومات ذات أعمار قصيرة، ولا تجلب أي منافع حقيقية للبلاد". كذلك قدّم أردوغان عرضاً لـ"الشعب الجمهوري" وفقاً لمسؤولي الأخير، يقضي بتكوين "حكومة إصلاح لفترة زمنية معيّنة"، لا حكومة ائتلافية بمدة كاملة.

مع ذلك، لم يتوقف زعيم "العدالة والتنمية" أحمد داود أوغلو عن التأكيد أن "حزبه بذل كل جهوده لتكوين الحكومة الائتلافية، ولم يخن إرادة الأمة التي عبّرت عنها نتائج الانتخابات"، مثمّناً المحادثات مع "الشعب الجمهوري"، وإن لم تفضِ إلى نتيجة.

وأعلن داود أوغلو، في مؤتمر صحافي أعقب لقائه، يوم الخميس، زعيم "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو، عن "فشل مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية مع الشعب الجمهوري". وقال إن "هناك خلافات عميقة برزت خلال المفاوضات بين الحزبين في بعض الملفات، على رأسها السياسة الخارجية، والتعليم"، مضيفاً أنه "قمنا بمشاورات صادقة، وفي النتيجة توصلنا إلى ضرورة استمرار هذه الحوارات في ظلّ تفاهم متبادل، غير أنه تولّدت قناعة بعدم وجود أرضية ملائمة حالياً لتشكيل حكومة ائتلافية".

اقرأ أيضاً: الائتلاف الحكومي مؤجل والكردستاني يطرح شروطاً لوقف إطلاق النار

وأكد أنه "سيستمر في محاولة تشكيل الحكومة إلى حين انتهاء مهلة الـ45 يوماً الدستورية"، معتبراً أن "العدالة والتنمية" هو أكبر المستفيدين من الانتخابات المبكرة، لحاجته إلى 18 نائباً إضافياً فقط، من أجل تشكيل الحكومة منفرداً. ويعوّل "العدالة والتنمية" في هذا الصدد على استعادة بعض النقاط التي خسرها لصالح كل من "الحركة القومية" و"الشعوب الديمقراطي"، معتمداً على الضربة العسكرية التي وجّهها إلى "العمال"، وعلى موقف "الشعوب الديمقراطي"  أيضاً من الحزب الكردي، والذي قد يُبعد عنه بعض أصوات اليسار التركي واليمين الكردي الموالي لأنقرة. كذلك يعتمد "العدالة والتنمية" على صورة القيادة القومية المنتصرة، والتي سيتم الترويج لها في حال نجح الائتلاف ضد "داعش" بضرب التنظيم وتكوين المنطقة الآمنة في سورية.

لكن كلجدار أوغلو اتهم داود أوغلو بـ"اغتصاب التكليف"، ودعاه إلى إعادته لأردوغان حتى يتسنّى له تكليفه بتشكيل الحكومة باعتباره زعيم الكتلة البرلمانية الثانية عددياً. وعلى الرغم من محاولات كلجدار أوغلو الظهور بمظهر "الحريص على إرادة الأمة"، غير أنه يدرك أن حظوظه بالنجاح في تشكيل حكومة تكاد تكون معدومة، في ظلّ مواقف "الحركة القومية" التي أسقطت فكرة "الكتلة المعارضة" التي روّج لها كلجدار أوغلو بعد صدور نتائج الانتخاب مباشرة، والتي تقضي بتشكيل حكومة معارضة تستبعد "العدالة والتنمية".

مع ذلك، أيّد كلجدار أوغلو أهمية المحادثات مع "العدالة والتنمية"، لكنه أكد أن "الحزب لم يتلقّ أي مقترح لتشكيل حكومة ائتلافية طويلة الأمد، وأن ما عُرض عليهم هو تشكيل حكومة انتخابية. أي حكومة مؤقتة حتى تنظيم انتخابات مبكرة، أو أن يدعموا حكومة أقلية للعدالة والتنمية مقابل تمرير بعض الإصلاحات التي يطالب بها الشعب الجمهوري في البرلمان، إلى حين الانتخابات المبكرة".

ويطرح هذا الأمر الكثير من التساؤلات حول جدوى استمرار "الشعب الجمهوري" بالمحادثات لأكثر من 30 يوماً، وأكثر من 35 ساعة من المفاوضات المشتركة بين الجانبين، ما دامت فكرة "الحكومة الانتخابية" غير مقبولة منذ البداية، وما دامت "مهلة 24 ساعة كافية في السياسة"، بحسب كلجدار أوغلو.

وأكثر من ذلك، لم يكن أداء "الشعب الجمهوري" متوافقاً مع "الواقعية السياسية" التي يفرضها امتلاكه 123 مقعداً برلمانياً في مقابل 258 مقعداً لـ"العدالة والتنمية"، فلم يلتزم بتقاليد تشكيل الحكومات الائتلافية. وأصرّ على تطبيق جميع نقاط برنامجه الانتخابي، من دون تقديم أي تنازلات. خصوصاً أنه اعتبر نقاط برنامجه الانتخابي "مبادئ لا يمكن التنازل عنها"، بما في ذلك موضوع "السياسات التعليمية" و"سياسات الدولة الخارجية"، والتي تبدو مستحيلة بالنسبة لـ"العدالة والتنمية" والتحالفات التركية الدولية الحالية، تحديداً لناحية "العلاقات مع النظام السوري"، ومع إسرائيل ومصر.

من جهته، وعلى الرغم من إعلانه قبل أيام رفض الحوار مع "العدالة والتنمية"، وافق دولت بهجلي زعيم "الحركة القومية" على طلب اللقاء الذي تقدم به داود أوغلو، على الرغم من تأكيده أنه لن يقبل بأي حكومة ائتلافية قصيرة الأمد إلى حين الانتخابات، ولا حتى تقديم دعم من الخارج لحكومة أقلية لـ"العدالة والتنمية".

وشدد بهجلي على الشروط التعجيزية السابقة التي وضعها حزبه للمشاركة بأي حكومة، أي "إنهاء عملية السلام مع العمال بشكل تامّ"، وهو ما يبدو مستبعداً لـ"العدالة والتنمية" القبول به، وسبق له أن رفض ذلك في بداية محادثات تشكيل الحكومة، حتى إن كانت المواجهات مع "العمال" لا تزال مستمرة حتى الآن.

ويُمكن إدراج قبول بهجلي لقاء داود أوغلو في "سياق عدم إعطاء الفرصة لأي خصم سياسي باتهام الحركة القومية، بالتملّص من مسؤولياته تجاه البلاد وإفشال تكوين الحكومة الائتلافية، بينما يستمر في سياسة الاحتفاظ بوظيفة "تكوين حزب المعارضة الرئيسي التي كلفته بها الأمة"، على حد تعبير بهجلي منذ صدور نتائج الانتخابات.

بالتالي، فإن لكل من أحزاب "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" مآربه من الانتخابات المبكرة، وتظنّ جميعها أنها "ستكون قادرة على تحقيق المزيد من الأصوات"، على الرغم من أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن التغيّرات في نسب الأصوات لن تكون كبيرة بما يكفي لتبديل المشهد السياسي الحالي، حتى إن أكثر استطلاعات الرأي تفاؤلاً بارتفاع أصوات "العدالة والتنمية" تؤكد أن "الشعوب الديمقراطي" سيتجاوز العتبة البرلمانية مرة أخرى وتستبعد خسارته لأصوات اليمين الكردي.

أما "الشعب الجمهوري" فيعوّل على استعادة النقطتين اللتين خسرهما لصالح "الشعوب الديمقراطي" بعد رفض الأخير إدانة "العمال"، وأيضاً بالقدرة على دفع ثلاثة في المائة من الأتراك، والذين يعتبرون من مصوّتيه التقليديين إلى التصويت، ولم يشاركوا في الانتخابات الماضية.

أما "الحركة القومية" فما زال منذ نتائج الانتخابات مستمراً في مقارباته الحادة المعادية لـ"الشعوب الديمقراطي" والمشوّهة لصورة أردوغان، كما يرى أن الضربة التي وجهتها أنقرة لـ"العمال" قد تكون فرصة لضرب "الشعوب الديمقراطي" في الانتخابات المقبلة، ولمحاولة جذب المزيد من أصوات اليمين القومي التركي على حساب "العدالة والتنمية".

اقرأ أيضاً: أردوغان ينفي وضع عراقيل أمام تشكيل الحكومة

المساهمون