ينتظر الفرنسيون ما الذي سيقوله الرئيس إيمانويل ماكرون غدا الخميس، وما الذي سيقترحه من إجراءات للخروج من "أزمة السترات الصفراء"، التي شلّت البلد منذ أكثر من أربعة أشهر، والتي تسببت في أكبر أزمة سياسية يعرفها الرئيس ماكرون، وساهمت في كبح إصلاحاته، بما فيها الدستورية وإصلاح التقاعد وغيرها.
وكان من المنتظر أن يعلن الرئيس عن هذه الإجراءات، قبل أكثر من أسبوع، لكن مأساة الحريق الذي ضرب كاتدرائية نوتردام، دفعت الرئيس لإلغاء كل شيء وتكريس كل الجهد للرد على هذا الامتحان التاريخي والرمزي الكبير، وهو ما دفع حكومته لتكريس اجتماعها الأسبوعي، بُعَيد حريق نوتردام، لمشروع إعادة بناء ما احترق، في غضون خمس سنوات، وجعل المَعْلم الفرنسي والإنساني أجمل مما كان، كما وعد الرئيس ماكرون مواطنيه وعشاق هذه الكاتدرائية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تسربت الإعلانات التي كان الرئيس ينوي عرضها لتجاوز أزمة "السترات الصفراء"، وتطرقت لقضايا عدة منها القدرة الشرائية والضريبة والديمقراطية وأيضا التخلص من المدرسة الوطنية للإدارة.
وطبعاً، تلقّف أنصار الرئيس ماكرون هذه الإعلانات بالرضا وعبروا عن تأييدهم لهذه الإجراءات التي رأوا فيها الجواب الذي كانوا ينتظرونه، فيما رأت فيها مختلف أطياف المعارضة إجراءات صغيرة لا ترقى إلى جسامة الوضع، بينما رفضت أغلبية من لا يزالون يتظاهرون من حركة "السترات الصفراء" هذه الإجراءات.
ورأى العديد من وجوه هذا الحراك أن الرئيس ماكرون، ورغم كل ما جرى، لا يزال بعيدا عن الإنصات لهموم مواطنيه، وعرضوا، في المقابل، نتائج "الحوار الوطني الحقيقي"، الذي أجروه على شبكات التواصل الاجتماعي، والذي يلخص مطالبهم، التي لا يزالون يصدحون بها في تظاهراتهم، والتي سيعبرون عنها من جديد، يوم الأول من مايو/أيار، عيد العمال، إلى جانب معظم النقابات العمالية والطلابية والتلاميذية.
لا أحد يدري، على وجه الدقة، إن كان الرئيس ماكرون سيواصل الدفاع عن الأفكار الرئيسة ممَّا جرى تسريبه في وسائل الإعلام، أم أنه كان بالون اختبار وبالتالي فهو يستطيع أن يعدّل بعض الاقتراحات والإجراءات، على ضوء ردود الفعل، خاصة أن اليمين التقليدي، ممثَّلاً، في حزب "الجمهوريون" المعارض، رحّب بإجراء خفض الضرائب، كما رحب أيضاً، بإصرار الرئيس ماكرون على ألا يعيد من جديد فرض الضريبة على الدخل، على الرغم من أن الفرنسيين في غالبيتهم يطالبون بإعادة فرضها.
ولكن الشيء الثابت، هو أن الرئيس سيعود إلى ثيمة أهملها، بعض الشيء، ولا تَرد، كما يجب، في التسريبات التي اطلع عليها الفرنسيون، وهي القضية الإيكولوجية، رغم أن رئيس الحكومة، إدوار فيليب، كان قد امتدح تعلق الفرنسيين بالانتقال الإيكولوجي، واستعدادهم لتحمل بعض التضحيات.
والأمر الذي يؤكد أن الرئيس ماكرون سيعود إلى هذا الموضوع الهام، الذي أصبح الشغل الشاغل لكل الأطياف السياسة، يمينا ويسارا، هي تصريحات الرقم اثنين في قائمة "الجمهورية إلى الأمام" في الانتخابات الأوروبية، باسكال كانفان، وهو إيكولوجيّ مخضرم، بأنه ينتظر إجراءات إضافية حول الإيكولوجيا. ورأى هذا الوزير السابق في حكومة فرنسوا هولاند، أن "الإيكولوجيا هي قضية مستعجلة"، واعترف بوجود اتصالات مع الرئيس حول هذه القضية.
وليس سرا أن الرئيس ماكرون يراهن على هذه الإجراءات من أجل استعادة شعبيته وتعبيد الطريق من أجل ولاية رئاسية ثانية، خاصة أن كثيرا من مستشاريه يعترفون بأن خروج الرئيس من هذه المحنة سالما، وبأقل الخسائر، شرطٌ لترشحه من جديد سنة 2022.
كما أن ماكرون يريد من هذه الإعلانات تثبيت حركته السياسية على رأس المشهد السياسي الفرنسي في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، الأوروبية 2019 ثم البلدية 2020. ولا تغيب عن ذهنه الوضعية المقلقة لرئيسة لائحة الأغلبية الرئاسية (نهضة) في الانتخابات الأوروبية، ناتالي لوازو، بعد أن كشف موقع ميديا بارت الإخباري، قبل يومين، عن ماضيها اليميني المتطرف، ثم انتقاده، من جديد، لمحاولة الوزيرة السابقة للشؤون الأوروبية النفاذ بجلدها من طيشٍ يعود إلى 35 سنة، فعلته بدافع "الصداقة"، ودون أن تحسب له حسابا، عبر تأكيد لجوئها إلى "النسيان والكذب والتقلبات".
سيكون على الرئيس، وكما فعل مع قضية حارسه الشخصي ألكسندر بنعلا، الدفاع عن "أخطاء" الآخَرين، وطبعاً، إلى جانب الدفاع عن أخطائه وانزلاقاته.