ترامب ورفاقه لدينا

ترامب ورفاقه لدينا

26 اغسطس 2017
+ الخط -
عادت سيرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تتصدّر الصفحات الأولى من الصحف والعناوين الرئيسية لنشرات الأخبار في العالم، وهي إن خفتت فترةً لا تلبث أن تعود مع تلك الشخصية المثيرة للجدل. ولكن حملة الانتقادات هذه المرة واسعة، ليس فقط من شخصياتٍ دولية لها حيثية، ولكن أيضا من داخل معسكره، ومن بين أنصار سابقين وكوادر مهمة في الحزب الجمهوري.
سبب هذه الحملة ضد ترامب تصريحاته التي وزّع فيها اللوم على الطرفين، كما زعم، في أحداث العنف في شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، حيث ساوى بين الظالم والمظلوم، وبين الجلاد والضحية، في تصريحاتٍ تعتبر دعما للمتطرفين النازيين الفاشيين من أنصاره. وقد اعتبرت تصريحاته دفعة قوية للجماعات اليمينية المتطرّفة التي تعتنق نظريات تفوّق العرق الأبيض المسيحي، مثل كو كلوكس كلان التي قام زعيمها بشكر ترامب على ذلك الدعم غير المسبوق من رئيس للولايات المتحدة.
وعقب تصريحات ترامب، توالت رسائل الإدانة والتنديد بدعمه الكراهية والتمييز والتعصب، من زعماء الحزب الجمهوري، نواب بارزين في الكونغرس، رئيس مجلس النواب، اتحاد التجارة، زعماء أوروبا، وعقب أكثر من أسبوع من الانتقادات المحلية والدولية والتظاهرات ضده داخل الولايات المتحدة، قام بالحديث عن فكرة التعايش، وأنه رئيس لكل الأميركيين، في خطوةٍ حاول بها تقليل الغضب، ولكن إعلاميين أميركيين كثيرين علقوا عليها ساخرين أنه 
أصبح لدينا الآن ترامبان، واحد يشجع أنصاره المتطرفين الكارهين للسود والمسلمين والأقليات، وآخر يتحدث عن أهمية التسامح والتعايش والحلم الأميركي، وأنه رئيس لكل الأميركيين.
بدأت أعمال العنف عندما دهس شاب من النازيين الجدد، عمره 20 عاما، مسيرة ضد التعصب والعنصرية، ما أدى إلى مقتل فتاة من المتظاهرين الذين كانوا ينادون بالتعايش والتسامح بين كل الأعراق والأجناس في الولايات المتحدة. وكانت هناك، قبل ذلك، سلسلة من التظاهرات التي ينظمها النازيون ضد الأجناس غير النقية والمسلمين والسود والهيسبانيك، فترامب لم يستطع أن يكون رئيسا لكل الأميركيين، ولم يستطع التخلي عن أهله وعشيرته، وإن كانت تصريحاته قد خفتت حدّتها عما كانت عليه قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية، حيث كانت تصريحاته غايةً في الحماقة، ولكن بالتأكيد أجبره المنصب الرسمي ومسؤولياته وتوازناته على التقليل كثيرا من حدّة تصريحاته المتطرفة ضد العرب والمسلمين والسود والمكسيكيين وحماقتها.
فوز ترامب (اليميني المتعصب) منذ عدة أشهر، وتوليه منصب رئيس الولايات المتحدة، أعطى دفعة إلى تيار اليمين في أوروبا وحول العالم. عادت حركات النازيين إلى الازدهار في الولايات المتحدة وأوروبا. كانت مارين لوبان على وشك الفوز في فرنسا، قبل ذلك كله فاز ناريندا مودي في الهند، وهو الهندوسي الملتزم، لكن مودي استطاع أن يكون رئيسا لكل الهنود، وبسبب التزامات وضعه رئيسا للحكومة لم يجارِ الجماعات الهندوسية المتطرّفة في نَزَقها، عكس ترامب الذي أعطى مساندةً كبيرة للجماعات النازية في الولايات المتحدة، ولم يحترم وضعه رئيسا لكل الأميركيين. وهناك كتابات عديدة ترصد تصاعد اليمين في العالم، في السنوات القليلة الماضية، بعد أن كانت التنظيرات الغربية، وأخرى عربية، تتحدث عقودا عن الديمقراطية، وأنها الحل الوحيد، وحتمية انتصارها على باقي الأيديولوجيات. والآن هناك تنظيرات عديدة تنتقد تطبيقات الديمقراطية، أو تنفي إمكانية تطبيق الديمقراطية على العرب والمسلمين، خصوصا بعد تنامي ظاهرة "داعش" والتطرف الإسلامي، ما يقابله تطرف غربي. وهكذا نظل في دوائر مفرغة من التطرّف والتطرف المضاد، تتصاعد موجات اليمين المتطرف في الشرق والغرب، وخطاب شعبوي يخاطب عواطف الجماهير، ويتصاعد الخطاب الشعبوي الفاشي الذي يمجّد في الرجل الأبيض أو الهوية المسيحية الأوروبية أو الأنجلوسكسونية، يقابله تصاعد لخطاب شعبوي فاشي أصولي ديني عن أمجاد الماضي الذي لن يعود إلا بالتشدّد والتطرّف ومحاربة أعداء الله من الديانات الأخرى كلها، بل وقتال من هم يشاركوننا في الدين نفسه، ولكنهم يختلفون في بعض التفاصيل. يقابل ذلك أيضا خطاب شعبوي يميني عن القومية العربية والهوية العروبية، وكيف أنهم هم أفضل شعوب الأرض الذين يستحقون حكمها، إن اتحدوا. ولذلك فالغرب، طبقا لتلك النظرية، يتآمر دوما لمنع اتحاد العرب.
يذكّر مشهد مهاجمة المتطرّفين الأميركيين من أنصار ترامب المظاهرات التي تنادي بالتعايش والسلام بمن يطلق عليهم في مصر "المواطنين الشرفاء"، وهم مجموعات من البسطاء والفقراء، تستعين الشرطة ورجال أعمال وبلطجية بهم، من أجل تنظيم مظاهرات مؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي وقراراته، حتى إن كانت تلك القرارات ضد مصالحهم، مثل إلغاء الدعم ورفع الأسعار، ويتم استخدامهم بشكل أكبر من أجل فَض (وضرب) أي مظاهرات سلمية معارضة للسيسي أو للوضع الحالي عموما. ولأنهم مؤيدون للسيسي وحكومته يُسمح لهم بالتظاهر في أي وقت بدون ترخيص، ويُسمح لهم بالقبض على المعارضين، متظاهرين أو أفرادا. وأحيانا يُسمح لهم بحمل السلاح لإرهاب المعارضين، ومسموح بالطبع استخدامهم العنف والتعذيب. يفعل هؤلاء البلطجية والشبيحة والمليشيات المؤيدة، من وجهة نظر المعارضة، أو المواطنون الشرفاء من وجهة نظر السلطة، ذلك من أجل قروش قليلة يوزّعها رجال الأعمال الموالون للسلطة في مصر، أو ربما من أجل وجبة غذائية، أو من أجل مصلحة مباشرة يحصلون عليها من الأجهزة التنفيذية. ولكن هناك أيضا من يتطوع لذلك، لأنه مقتنع، أو يحاول إقناع نفسه، بنظريات المؤامرة الكونية ضد مصر والسيسي وأساطير حروب الجيل الرابع.
يذكّر ذلك المشهد أيضا بمشاهد نراها في نشرات الأخبار على القنوات الدولية عن الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، الذي يستخدم خطابا شعبويا مماثلا لخطاب ترامب، على الرغم من العداء بينهما، ليهاجم أنصار مادورو مظاهرات المعارضة والاعتداء عليها في شوارع كاراكاس لنصرة الرئيس الذي يعتقدون أنه المنقذ الذي سيحرّر العالم من الإمبريالية الأميركية. كما أن مشهد مهاجمة متطرفين من أنصار ترامب متظاهرين يذكّر بمشهد جحافل من أنصار الرئيس محمد مرسي وهم يهاجمون معتصمين قليلين أمام قصر الاتحادية، ويدمرون خيامهم في العام 2012، اعتقاداً منهم بأن ذلك لنصرة الإسلام ولنصرة الرئيس مرسي ضد المؤامرات الصليبية الدولية، وهي واقعة لم يكن لها أي داعٍ، والتي تسببت في تأزم الموقف بعد ذلك، وزيادة الهلع من حكم الإخوان المسلمين، وبدء التكتل ضد حكم الرئيس السابق محمد مرسي.
عودة إلى ترامب الذي يواجه أزمات داخلية، بسبب محاولاته تغيير التوازنات التي قام عليها
المجتمع الأميركي والدولة الأميركية والدستور الأميركي، لو تأملنا مرة أخرى خطابه الشعبوي، معا لنجعل أميركا قويةً مرة أخرى. شعار بالطبع جذاب، ولكنه اتضح أنه يعني "معا للعودة بأميركا للماضي البغيض، حيث العنصرية والكراهية والماكارثية". وللأسف الشديد، يذكّر هذا الشعار بشعاراتٍ شعبويةٍ مماثلة تستغل لخداع الجماهير عندنا، شعارات برّاقة في ظاهرها، جحيم في باطنها، مثل شعار "مصر أم الدنيا وستبقى قد الدنيا"، وهو شعار كان يكرّره السيسي كثيرا في خطاباته، لتبدأ عواصف التهليل والتصفيق الحاد بعدها. صراحة لم أفهم هذه العبارة، ولكن يبدو أنه كان يقصد بيع الوهم، أما الواقع العملي فهو عاد بمصر إلى عشرات السنوات إلى الماضي. بالتأكيد، يرغب كل مواطن مصري في أن يرى مصر أفضل بلد، وأن تعود مركز الحضارة والثقافة والتنوير، وأن تكون مؤثرة في أحداث العالم، ولكن هذا لن يحدث عن طريق الكذب والقمع المتزامن مع الفساد والشعارات الشعبوية الفارغة.
لا مفاجأة في تصريحات ترامب الداعمة للمتطرفين والنازيين الأميركيين، لأنه الشخص نفسه الذي يدعم حكّاما فاشيين يقتلون شعوبهم بدم بارد، وهو الشخص نفسه الذي يتغاضى عما يحدث في بلادنا من القمع والظلم والإرهاب والأحكام القضائية المسيّسة، من أجل ما يراه مصلحة أميركا وأمن إسرائيل، فمواجهة التطرّف والإرهاب أصبحت الذريعة التي تستخدمها كل الأطراف، من أجل مزيد من نشر الأفكار الأكثر تطرّفا، ومن أجل قمع الشعوب وإرهابها.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017