ترامب والحرب على إيران

ترامب والحرب على إيران

28 ابريل 2020
+ الخط -
على الرغم من تداعيات الأزمة العالمية لجائحة كورونا وتأثيراتها، إلا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نجح، في لحظة معينة، في أن يصرف بصر العالم عن هذه الجائحة، وفرض خبراً آخر بدا لكثيرين أكثر أهمية من فيروس كورونا، وذلك عندما طلب من القوات الأميركية تدمير أي زورق إيراني يقترب منهم، في تغريدةٍ جاءت، على ما يبدو، رداً على اقتراب زوارق إيرانية من سفن أميركية في مياه الخليج العربي.
يعيش ترامب سنته الانتخابية، سنة كانت ستبدو سهلةً ومريحةً له قبل تفشي وباء كورونا، وما ألحقه وسيلحقه هذا الوباء بالاقتصاد الأميركي، وأيضا تهاوي أسعار النفط وتسجيله أول مرة أرقاماً بدت غير معقولة لغير الملمّين بخفايا النفط وصناعته.
وصل عدد الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا إلى نحو 25 مليون مواطن، في وقتٍ تشير التوقعات إلى أن العدد قد يرتفع خلال أيام، خصوصا في أجواء تعطّل حركة الاقتصاد الأميركي والعالمي، من دون أن تكون هناك أي مؤشرات أو بوادر لقرب القضاء على هذا الفيروس.
يبدو أن انهيار أسعار النفط سبب حرجاً كبيراً لترامب أمام شركات النفط الأميركية، بعد أن فقدت كثيرا من أسهمها، بفعل تراجع تاريخي لأسعار النفط، يعود إلى التنافس الروسي السعودي الذي أغرق سوق النفط، ما أدى إلى هبوط الأسعار في وقتٍ كانت غالبية مصانع العالم ومحرّكاته معطلةً بفعل الحجْر الصحي، جرّاء تفشّي كورونا ودخول فصل الصيف، حيث يقل استهلاك النفط.
سنة ترامب الانتخابية التي كان يريدها سنة للإنجاز، لا تمرّ بالطريقة التي كان يأملها، فهناك 
معوقاتٌ كثيرة باتت تعترض طريقه، خصوصا وأن نقمة شعبية تتزايد، بسبب اتهامات لترامب بانه تأخر في الإجراءات الخاصة لمنع تفشّي وباء كورونا، وأنه فضل حماية الاقتصاد على حماية أرواح الناس، ما دفعه إلى معاودة اتهام الصين؛ مرة بعد أخرى، بأنها هي من أخفت المعلومات المتعلقة بالفيروس، ما أسهم في سرعة انتشاره.
كان الرئيس الأميركي يتطلع إلى أن تكون سنة الانتخابات فرصةً لكتابة فصل جديد من فصول المغامرة الترامبية التي بدأها قبل أكثر من أربعة أعوام، عندما ترشّح للرئاسة بأفكار وأداء وصفه بعضهم بأنه غريب، ولكن الرياح لم تأتِ هذه المرّة كما تريدها سفن ترامب.
يجد ترامب نفسه محرجاً أمام جمهوره، ويبدو أنه بات بحاجة إلى تحريك مياه العالم الراكدة، ليس من أجل الخروج من مأزقه وأزمته، وإنما أيضا لإخراج العالم من ركود وكساد باتا يهددّان اقتصاده، وربما ليس هناك من خيارٍ أفضل من خيار الحرب.
الحرب التي لا يحبها ترامب قد تكون طوق نجاته في عامه الانتخابي الحاسم، فهو يدرك جيداً أنه بات بحاجةٍ إلى نصر، ولو كان محدوداً، وأنه يعرف ايضاً أن هناك رغبة لدى أطراف أخرى في العالم لشنّ حرب، وتحديداً على إيران، بمعنى أن هناك استعدادا لدى تلك الأطراف من أجل أن تموّل الحرب، وأن تدفع تكاليفها، شرط أن تحقق لها ما تريد من تلك الحرب.
وتواصل إيران، التي لا يبدو أن ترامب يجد عدواً أفضل منها، سياساتها المزعزعة لاستقرار دول المنطقة، كما يقول، وهي أيضاً تسعى إلى أن تقوّض الوجود الأميركي في العراق من خلال إصرارها على سحب القوات الأميركية من هذا البلد، هذا بالإضافة إلى دعمها الحوثيين في اليمن، وحزب الله اللبناني، وأيضاً المليشيات الشيعية في سورية.
العراق، ربما هو الساحة الأهم التي قد تكون مكان المواجهة المرتقبة مع إيران، مواجهة لن تكون كبيرة، أو حرباً عالمية ثالثة، كما يظن بعضهم، ولكنها ستكون حرباً محدودة، يسعى من خلالها ترامب إلى تسجيل نصر، ولو صغير، يحصل منه على ما يريد، وفي الوقت نفسه، يضرب مسماراً آخر في نعش نظامٍ بات وجوده مقلقاً، ليس لدول المنطقة وحسب، وإنما حتى للشعوب الإيرانية التي تململت من وجود هذا النظام. وتفيد التقديرات بأن الولايات المتحدة وضعت 122 هدفاً إيرانيا في العراق، سيتم قصفها وتدميرها، في حال انطلقت شرارة المواجهة، أو في حال قامت مليشيات شيعية في العراق، مدعومة من إيران، بعملية مسلحة ضد المصالح الأميركية التي باتت اليوم محصورة في قاعدة عين الأسد غرب العراق، والمدعمة بصواريخ باتريوت. وإيران تصعّد، هي الأخرى، ضد أميركا، في الإصرار على مغادرة القوات الأميركية للعراق، حتى تحول إلى شرط إيراني لمرور أي رئيس وزراء مكلف، خلفاً لعادل عبد المهدي.
سيناريو الحرب، أو المواجهة المحسوبة إن شئت الدقة، سيبقى سلاحاً بيد ترامب، في حال لم يجد سلاحاً غيره لتغيير بوصلة الأحداث، وتحقيق نصر بات بأمس الحاجة له، في ظل سنة انتخابيةٍ جرت على غير ما تشتهي سفنه.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...