ترامب واجتياح العالم

ترامب واجتياح العالم

30 نوفمبر 2016
+ الخط -
حقّق مرشح الجمهوريين في الانتخابات الأميركية، دونالد ترامب، مفاجأة مدوية فاقت كلّ التوقعات، ولم تستطع مراكز البحث المتعدّدة معرفة ماذا حصل لاستطلاعات الرأي السابقة التي تمّت، وكانت نتيجتها دائماً تشير إلى فوز مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون.
لم تجد مراكز الأبحاث تلك، من تفسيرٍ لما حدث، إلّا أنّ الشعب الأميركي اختار التطرّف اليميني وأقصى اليمين لإظهار أميركا بصورة جديدة، بعيداً عن صور التملّق والتمثيل بأنّها صاحبة الدفاع عن القيم الحضارية والعدالة والمساواة، وأنّ نصف الأميركيين تقريباً وقفوا بجانب القيم الاستعلائية بالقومية والعرقية، ودعم أقصى اليمين نوعاً من ردّة فعل على الأحداث الإرهابية والخوف من المستقبل بوجود المهاجرين والإسلام .
ولذا، رأينا أنّ أوّل من علّق على نتائج الانتخابات بشكل مؤسف هم من يدافعون عن القيم الحضارية الحقيقة كالألمان، إذ سارعت المستشارة الألمانية، إنجيلا ميركل، لتذكير ترامب بالقيم الحضارية، كالمساواة والعدالة وعدم التفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو المعتقد، وهو ما يعتبر نقيض ما بدر من ترامب في حملته الانتخابية من تهجّم على الأقليات وبوادر اضطهاد تلوح في الأفق على الأقليات العرقية والدينية، وفي مقدمتهم المسلمون .
بينما سارعت أحزاب التطرّف واليمين الأوروبية بالابتهاج بفوز ترامب، ويتوقع كثيرون بأنّ نسخة ترامب اليمينية ستتكرّر في أوروبا، وهو ما يعتبر اكتساحاً لفكرة رفع الصوت القومي على حساب القيم الحضارية، والتي تعتبر الفكرة التي عانت منها أوروبا لسنوات ودفعت ملايين البشر للخلاص منها، وعلى رأسهم ألمانيا .
وعليه، تعتبر المستشارة الألمانية ميركل الحصن الأخير في أوروبا التي لا زالت تؤمن بهذه القيم وتعمل عليها، وهو تحدّ كبير أمامها، وخصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتشير استطلاعات كثيرة على أنّ توّجه الفرنسيين العام القادم لانتخاب زعيمة المتطرفين القوميين في فرنسا، مارين لوبان. وبهذا، تعزل ألمانيا بشكل أكبر عن فكرة بقاء الاتحاد الاوروبي أو بقاء كتلة أوروبا موحدة سياسياً.
لم يكن فوز ترامب زلزالاً في أميركا فقط، بل إنّ ارتداداته زعزعت ساسة أوروبيين كثيرين حذّروا من تداعيات فوز ترامب على النسيج الأوروبي الموّحد، وعلى القيم الحضارية التي تتفاخر بها أوروبا منذ سنوات .
لم يختلف الأمر في الشرق الأوسط، إذ كانت رسائله واضحة، بأنّ سياساته في المنطقة ستكون مختلفةً عمّا سبق، وأنّ الحوار عن بقاء الأسد من الممكن الحديث عنه، وكان مبتهجاً بالرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الذي كان أوّل المهنئين لترامب في نجاحه في الانتخابات، ولم تقتصر الرسائل على الدول العربية، بل كانت لهجة ترامب تجاه إيران قوية، وأنّه بصدد مراجعة الاتفاق النووي، والذي سمح لإيران ببعض المساحة في التجارب النووية.
وتبقى إسرائيل ومعسكر اليمين مبتهج بصعود ترامب، إذ أعلن وزير التعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إنّ فكرة الدولة الفلسطينية انتهت بعد انتخاب ترامب، وهو ما يسعى له المعسكر اليميني في إسرائيل، فهل يستطيع ترامب اجتياح أوروبا والعالم بفكرته القومية، ويكون وقوداً للأحزاب المتطرّفة اليمينية، لتستمر في صعودها إلى الحكم أم تبقى الفكرة في أميركا، وتقوم معارضة قوية ترجع الأمور إلى حقيقة أنّ العالم يحتاج الى انفتاح أكبر، وليس إلى جدران وثقافة كراهية؟
936052AB-488A-4614-B5D1-F9AF8D3778FD
936052AB-488A-4614-B5D1-F9AF8D3778FD
غمدان الزعيتري (اليمن)
غمدان الزعيتري (اليمن)