ترامب الفلسطيني

ترامب الفلسطيني

22 يناير 2017
+ الخط -
إذا قدِّر لترامب أن يحكم، أقصد أن يستمر في الحكم أكثر من عامين، وظل على ما نعرفه عنه الآن، فسنرى عجباً. سنكون حقا أمام نظام عالمي جديد يطل برأسه من وراء الأطلسي. كل الرؤساء الأميركيين السابقين كانوا امتدادا، على نحو أو آخر، لأسلافهم. قد تكون هناك قطائع ولكنها في نطاق الاستمرار، كما هو الشأن في أي عملية سياسية تحدث في بلاد مستقرة وتعرف انتقالاً عاديا للسلطة، ويتسلم اللاحقون مقاليد السابقين. فمنذ نيكسون إلى الآن، وهذه فترات رئاسة أميركية عايشتها شخصياً، تقلّب على البيت الأبيض ديمقراطيون وجمهوريون. ولم تكن الفوارق كبيرة بين جيرالد فورد، مثلاً، وجيمي كارتر الذي لم يكن رجل سلام ومساع حميدة، مثلما عرفناه بعد رئاسته ويكاد ينفرد، بهذا التغير، بين الرؤساء الأميركيين، لكن إجمالاً ظلت السياسات الأميركية في الحرب الباردة هي سياسات الحرب الباردة. يزيد التصعيد أو ينخفض لكنه لا يزول ولا يتحول إلى نقيضه. وفي ما يخصنا لم تتغير السياسات الأميركية، أياً كان ساكن البيت الأبيض، ولم تفتر همّة الدعم المطلق لإسرائيل التي هي في صلب السياسات الأميركية منذ عام 1967 وحتى اليوم. كل هذا عشناه وعرفناه. حتى في عهد رونالد ريغان ارتفع التصعيد السياسي والاستراتيجي ضد الاتحاد السوفييتي ولكنه لم يشهد انقلابا تاماً. صحيح أن عهد ريغان هو الذي سيسجل بداية تركيع الاتحاد السوفييتي وصولا إلى انهياره، لكن هذا المسار كان يعمل من دون كلل منذ بداية الحرب الباردة. كان التركيع نتيجة تراكم طويل ولم يكن ثمرة انقلاب في موازين القوى ولا طفرة في السياسات. مع ترامب نحن إما طفرة في السياسات أو احتمال طفرة. وهذا جديد في علم السياسة بل هذا اختراق الطبيعة لعلم السياسة لأن الطفرات تحدث، تقريباً، في الطبيعة وليس في عالم الاجتماع الواسع. لذلك قلت إن قدّر لترامب أن يحكم ويشكل نهجاً، أي أن يصنع انقلاباً تاماً في السياسة ويحدث قطيعة مع السياق السائد، فسنكون أمام عالم سياسي جديد، ولن تقتصر آثاره على المنطقة العربية. كثيرون يتحسّسون رؤوسهم من هذه اللحظة. فالرجل، عديم الخبرة السياسية، الذي سيجر السياسة إلى استديوهات تلفزيون الواقع، لا ينطلق من السياسة إلى السياسة. لذلك يمكن أن يفعل ما يقول. وعندما قال إنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس "عاصمة إسرائيل"، فليس من المستبعد أن يفعل، عكس مرشحي رئاسة أميركيين قالوا ولم يفعلوا عندما وصلوا إلى البيت الأبيض. هذا سيفعل على الأغلب. سينقل السفارة إلى القدس مثلما سيبني الجدار على حدود المكسيك ويجعل المكسيكييين يدفعون كلفته المالية. لا مدخل عربيا أو فلسطينيا على ترامب، وأركان حملته. رمى العرب كل أوراقهم في صندوق هيلاري كلينتون وشتموا الرجل الذي قال إنه سيمنع المسلمين من دخول أميركا. وهو لم ينس وجوه الذين شهروا به، أو وقفوا مع غريمته كلينتون إلى حد أنه كاد يطرد مراسل السي إن إن من أول مؤتمر صحافي له: أنتم لا لا.
هذا رجل يقول ما يخطر في باله ويفعل ما يقول. وهو بهذا المعنى واضح. ولكنه خطر. لا نتذكر كلاما كثيرا له في السياسة الشرق أوسطية سوى أنه سيدفِّع حلفاءه العرب ثمن "حمايته" لهم. لا نذكر له كلاماً كثيراً عن إسرائيل. نعرف أن نتنياهو ورهطه وقفوا ضده. نعرف أنه كاد أن ينعت باللاسامية. نعرف أن يهود أميركا لم يصوتوا له. ووقفوا بكل ما ملكوا وراء هيلاري كلينتون مرشحتهم المفضلة. ولكنه هنا. وهنا فقط لن يرد الصاع صاعين. ممكن أن يفعل حتى مع وكالات بلاده الأمنية، تلك التي ستحمي حكمه وتحميه شخصياً، ولكنه "لبد" مثل جرو صغير أمام اللوبي الصهيوني.
فماذا نتوقع من ترامب فلسطينياً؟
لا أعرف. لكن المؤكد أن إسرائيل
ليست المكسيك.
واللوبي الصهيوني في أميركا ليس "لاتينو|"!