ترامب الثاني في "10 داوننغ ستريت"

ترامب الثاني في "10 داوننغ ستريت"

31 يوليو 2019
+ الخط -
حين باتت حظوظ بوريس جونسون عالية للفوز بمنصب رئاسة حزب المحافظين (البريطاني)، أطلق تصريحا غريبا مفاده بأنه ربما لن يتمكّن، حين يتولى رئاسة الوزراء، من وضع اللمسات الأخيرة على الكتاب الذي يشتغل عليه حاليا عن شكسبير. أثار هذا التصريح ردود فعل تهكمية، وحرّض الأذهان على استدعاء شخصيات للكاتب المسرحي الكبير تتقاطع في الصفات مع جونسون. ولو كان شكسبير على قيد الحياة، لكرّس لجونسون عملا خاصا، بوصفه ناطقا باسم الانحطاط السياسي الذي وصلت إليه الإمبراطورية التي كانت، ولا تزال، إحدى الشموس التي استنار بها الكون. وصدقت حسابات جونسون، فأضحى رئيسا لوزراء بريطانيا، قبل أن يضع اللمسات الأخيرة على كتابه الأحدث عن شكسبير "أُحجية العبقريّة" المفترض نشره مطلع العام المقبل. وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذا السياسي الزئبقي الذي أثار غبارا كثيرا حوله، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، جاء إلى السياسة من عالم الصحافة والأدب. وهو إذ يُجمع النقاد على أنه كاتب فاشل وهزيل ومتطفل، فإنه صحافيا لمع نجمه منذ كان رئيسا لتحرير صحيفة سبكتاتور اليمينية، حيث دخل في سجالاتٍ مع حكومة توني بلير العمالية، بسبب علاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة أيام رئاسة جورج بوش الابن، ووصفها بأنها مطية للولايات المتحدة خلال الحرب الأميركية على العراق 2003.
مرّ زمن على تقلبات جونسون الفكاهية، ووصل، في نهاية المطاف، إلى أن أصبح من أشد المعجبين برئيس الولايات المتحدة الحالي، دونالد ترامب، وصار يعمل على التماهي معه، حتى في تسريحة شعره. ومن هنا، تلقف ترامب فوز جونسون برئاسة الحكومة البريطانية، ليكيل له المديح، مؤكدا "إنه شديد وذكي.. ينادونه ترامب بريطانيا. والناس تقول إنه أمر جيد. إنهم يحبونني هناك". ولم يكذب رواد وسائل التواصل البريطانيون والأميركيون الخبر إلى حد نشر صورهما، وتسليط الضوء على شعريْهما تحديداً، بالإضافة إلى وقفاتهما وتصريحاتهما. وفيما رأى البريطانيّون أنّ "لديهم الآن ترامباً خاصاً بهم"، وجّه الأميركيّون نصائحهم إلى البريطانيين، مستخدمين تعبير "عزيزتي المملكة المتحدة" (Dear UK) ، الذي وصل إلى لائحة الأكثر تداولاً. وكتب أحد المستخدمين "أعزائي شعب المملكة المتحدة، تقبّلوا تعازيّ على انضمامكم لنادي الدول التي تملك زعماء عنصريين وذكوريين". وسخر أحد الحسابات بالقول "إنّه وقتٌ رائع كي تكون على قيد الحياة". ونشر آخر صورةً لترامب وقد تم تركيب وجه جونسون عليه قائلاً "اليوم الأول لجونسون في العمل".
لن يكون تجنّيا القول إن بوريس جونسون وصل إلى ما وصل إليه بفضل قدرته على تدوير التفاهة في شتى مناحي حياته الشخصية منها، السياسية والمهنية والعاطفية، فهو كذّاب كرجل في علاقته بالنساء، وخفيف كصحافي، ومضلل وشعبوي وسطحي ككاتب أدب وسياسة، ويظهر ذلك في روايته الوحيدة " 72 عذراء" التي خصّصها لهجاء الإسلام والمسلمين بصورة مقذعة وعدوانية بما أن "من طبيعة المسلمين الميل إلى القتل والعنف، مدفوعين بوعود الجنس الجماعي المفتوح في الجنة" مثلما يكتب. ومع ذلك، باعت هذه الرواية التي صدرت عام 2007 خمسين ألف نسخة. اما كتابه عن تشرشل (دور تشرشل: كيف صنع رجل فردٌ التاريخ) الذي صدر عام 2015، فقد استقبلته الأوساط الأكاديمية بسخرية، على الرغم من أن مبيعاته تجاوزت ربع مليون نسخة. والطريف أن رسالة الكتاب تعتبر أن جونسون هو تشرشل جديد.
الخطير أن أهم ديمقراطية كونية يقود حكومتها رئيس وزراء شعبوي من اليمين المتطرّف. وهذا حصيلة هيمنة هذا التيار على حزب المحافظين، الأمر الذي يُنذر بنهاية اليمين التقليدي، وهزيمة الليبرالية وقوى الوسط، وربما كان المكسب الوحيد من وصول جونسون إلى رئاسة الحكومة هو عدم إكمال كتابه عن شكسبير.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد