تراجع حاد للسياحة الدينية في العراق بعد القمع الحكومي

تراجع حاد للسياحة الدينية بالعراق بعد القمع الحكومي وسخط من نفوذ إيران

17 ديسمبر 2019
العاملون في السياحة يقدرون تراجع الوافدين إلى النصف(فرانس برس)
+ الخط -


بدت المقاصد السياحية الدينية في العراق، فارغة إلى حد كبير، من الزوار خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة بحق المتظاهرين، رغم تأكيد الكثير من العاملين في قطاع السياحة، أن تظاهرات الغاضبين من تردي الظروف المعيشية وانتشار الفساد في البلاد، تجنبت مناطق المزارات.

ولم تقتصر تداعيات الوضع الأمني المأزوم في العراق على حركة الوافدين، بل أيضا على السياحة الداخلية، ما أثر بشكل كبير على الفنادق وشركات نقل الأفراد والمتاجر.


وتقتصر السياحة في العراق على المجال الديني وتتمركز بصورة رئيسية في النجف وكربلاء، بالإضافة إلى مدن أخرى تضم مراقد دينية مثل سامراء، شمال بغداد، والتي تستقطب سنوياً ملايين الزوار من بلدان عدة، أبرزها إيران.

وعقب الاحتجاجات الشعبية، التي تفجرت في العراق، منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتخذت السلطات العراقية سلسلة إجراءات مشددة أبرزها حظر التجوال وإغلاق المدن وقطع شبكة الإنترنت كوسائل لمواجهة التظاهرات، تضاف إلى عمليات القمع غير المسبوقة التي واجهت بها السلطات المتظاهرين وتسببت بمقتل نحو 500 متظاهر حتى الآن، وإصابة ما يزيد على 20 ألف شخص.

محمد عباس النجفي، عضو رابطة فنادق النجف، وهو تجمع غير رسمي يضم أصحاب ومديري الفنادق السياحية في مدينة النجف جنوب العراق، والتي تستقبل سنوياً ملايين السياح الدينيين الوافدين إلى العتبات الدينية المقدسة، يؤكد أن نسبة السياحة تراجعت إلى النصف في الأسابيع الماضية، خاصة من الجنسية الإيرانية، إذ أسهمت الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها طهران في تراجع أعدادهم منذ مهاجمة القنصليتين الإيرانيتين في النجف وكربلاء.


ويضيف النجفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تراجع السياحة تتحمله الحكومة العراقية في الدرجة الأولى، فالإجراءات التي اتبعتها مع المتظاهرين كانت شبه عسكرية مثل حظر التجوال وإغلاق المدن وقطع الطرق واستخدام القنابل والرصاص الحي، ومن المؤكد أن مثل تلك المشاهد تدفع الجميع إلى التفكير ألف مرة قبل اتخاذ قرار التوجه إلى العراق.

ويؤكد أن المتظاهرين ظلوا بعيدين عن المراقد المقدسة والمراكز التجارية، ولا يمكن تحميلهم أي مسؤولية، سواء متظاهري بغداد أو النجف وكربلاء، والدليل أن سامراء لا تشهد تظاهرات، ومع ذلك تراجعت فيها السياحة الدينية أيضا بسبب إجراءات الحكومة.

ويقول نجم العتابي، وهو عضو لجنة استشارية في مجلس محافظة النجف، الذي تم حله أخيرا ضمن إجراءات اتخذتها الحكومة لتخفيف نقمة الشارع، إن التظاهرات وما رافقها من رد فعل حكومي لم تؤثر على حركة توافد السياح من الخارج فقط، بل أيضا على الحركة من داخل العراق.

ويضيف العتابي: "الحكومة رفعت مستوى العنف بشكل غير منطقي، ويجب أن تبادر بتخفيف ردة فعلها تجاه المتظاهرين، من أجل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه وتعزيز ثقة السياح من جديد في القدوم إلى البلاد".

وتقدر بيانات محلية، عدد السياح الدينيين الوافدين إلى العراق سنوياً بين 4 إلى 6 ملايين زائر من جنسيات مختلفة، يتوجه أغلبهم إلى النجف وكربلاء. ووصلت عائدات العراق من السياحة الدينية في 2017 إلى نحو 5 مليارات دولار.


ويقول سعد الماجد، المدير المفوض لشركة المنتظر للنقل العام، وهي شركة نقل سياحية إن هناك تراجعا كبيرا في أرباح الشركة، والكثير من الحافلات التابعة للشركة لم تخرج من مواقفها منذ أسابيع بسبب تراجع عدد السياح، مضيفا: "الأمر ينطبق على الشركات الأخرى وكذلك الفنادق والمطاعم، الأرباح فعليا تراجعت لأكثر من النصف".

وتنعش السياحة الدينية الأسواق، وتمثل فرص عمل موسمية لعشرات آلاف الشباب، في البلد الذي يشهد ارتفاعا في معدلات البطالة والفقر رغم ثروات النفط الكبيرة.

وخلال المواسم، يتم نصب الأكشاك والبسطات على طول الطريق إلى مدينة كربلاء، سواء من بغداد شمالا أو النجف جنوبا، لتوفير الطعام والشراب للسائرين، فضلا عن ازدهار المنشآت الفندقية بمختلف مستوياتها لاستقبال الزائرين من خارج العراق الذين يتوافدون إلى البلد.

وتأتي أعداد كبيرة من الزوار من خارج الدولة من إيران. وكانت حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، قد وافقت في مارس/آذار من العام الجاري، على إلغاء رسوم تأشيرات دخول الإيرانيين البالغة 40 دولاراً للفرد، وكذلك الرسوم التي كانت تفرض على دخولهم بسياراتهم الشخصية.

لكن تزايد السخط الشعبي في العراق من تمدد النفوذ الإيراني أدى إلى اتخاذ السلطات الإيرانية، إجراءات احترازية بحق سفر رعاياها إلى العراق، خاصة عقب إحراق قنصلياتها في النجف وكربلاء في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.


وكان موقع "إنترسبت" الأميركي وصحيفة "نيويورك تايمز"، قد كشفا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن وثائق استخبارية إيرانية سرّية توضح حجم التغول الإيراني داخل مؤسسات الحكم في العراق، بالإضافة إلى الدور الذي كان يلعبه رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي عام 2014، حين كان وزيراً للنفط، والذي كانت لديه "علاقة خاصة مع إيران"، وفق التسريبات.

ويشير مسؤول في المنفذ الحدودي الرئيس بين العراق وإيران في محافظة ميسان جنوب العراق في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن أعداد الزوار القادمين من إيران تراجعت كثيرا بالفترة الماضية، يمكن أن نقول إن العدد تراجع إلى النصف.

وشهدت العديد من مناطق العراق الشهر الماضي، لا سيما في النجف وكربلاء، دعوات متصاعدة لمقاطعة السلع الإيرانية والبحث عن أسواق بديلة للاستيراد منها، وذلك بالتزامن مع محاصرة المحتجين لمبنى القنصلية الإيرانية في كربلاء وإحراق العلم الإيراني.

ونقلت وكالات الأنباء الإيرانية في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن مدير عام الشؤون السياسية والأمنية الحدودية في محافظة خوزستان الإيرانية، رضا نجاتي، قوله إنه تم وقف إيفاد زوار العتبات المقدسة في العراق، عبر منافذ "الشلامجة" لاعتبارات أمنية".

لكن حركة المسافرين ظلت مستمرة في العديد من المنافذ الأخرى، فيما أصدرت منظمة الحج والزيارة الإيرانية في وقت سابق من الشهر الجاري، مجموعة توصيات إلى الزوار الإيرانيين المتوجهين إلى العراق، نصحتهم فيها بزيارة العتبات المقدسة بشكل جماعي، وعدم التواجد في أماكن الاحتجاجات.

وقالت الوزارة في بيان لها إنه يتعين على قوافل الزوار أن تنتقل بين المدن المقدسة بحماية القوات الأمنية، كما ينبغي عليهم احترام القوانين والأنظمة في العراق، وعدم التقاط الصور وتصوير أماكن التجمعات والاحتجاجات، والامتناع عن إبداء وجهات النظر حول المسؤولين والأوضاع في العراق، وتجنب أي سلوك يثير التوتر والجدال مع الموظفين والأفراد العاديين والبائعين والعاملين في العتبات المقدسة.


وينظر الإيرانيون بأهمية بالغة للعراق، فلا تقتصر الزيارات على المقاصد الدينية، وإنما أيضا بغية التجارة، التي عملت طهران إلى توسعتها بشكل كبير لا سيما بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية في أعقاب انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/أيار من العام الماضي 2018.

واتخذت إيران في الأشهر الماضية خطوات متزايدة نحو تعزيز التعاون في العديد من المجالات مع العراق، لا سيما في قطاعات التصدير والنفط والبنوك والسياحة والنقل، في خطوة للحد من تداعيات العقوبات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال مساعد وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، سعيد رسولي، في تصريح أوردته وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "ارنا"، إنه سيتم قريباً البدء في عمليات إنشاء خط سكك الحديد بين مدينتي شلمجة الإيرانية (جنوب غرب) والبصرة العراقية بطول 32 كيلومتراً.

وأضاف رسولي، أن تكلفة المشروع تصل إلى 4 تريليونات ريال (الدولار يعادل 42 ألف ريال حسب السعر الرسمي)، مشيراً إلى أنه بعد تنفيذ المشروع ستتوفر إمكانية نقل الزوار من إيران وإلى العراق وبالعكس بصورة مباشرة عبر سكك الحديد.

المساهمون