تراجع الإيداعات الحكومية وأسعار النفط والسحوبات تهدد مصارف الخليج

تراجع الإيداعات الحكومية وأسعار النفط والسحوبات تهدد مصارف الخليج

17 مارس 2016
إمارة دبي حيث تتركز معظم البنوك الاستثمارية في الإمارات(Getty)
+ الخط -
تواجه البنوك الخليجية، خلال العام الجاري، مصاعب في الحصول على السيولة الكافية لتسيير عملياتها التشغيلية وتحقيق أرباح وسط تواصل نقص الإيداعات الحكومية والسحوبات المستمرة من الوزارات بدول مجلس التعاون لتغطية العجز في الميزانيات.
وتؤكد مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية وعلى رأسها موديز وفيتش في تقاريرها الأخيرة، أن الضغوط السلبية ستتكثف على المصارف الخليجية، مما سيؤثر على تصنيفها الائتماني في المستقبل مالم تتحسن أسعار النفط.
يذكر أن معظم البنوك الخليجية لا تزال تملك معدل كفاية رأس مال عالية وأصول قوية وسيولة عالية، ولكن نوعية الأصول ربما تتأثر إذا تواصل انخفاض أسعار النفط وسط احتمالات تزايد نسبة الديون غير العاملة وتلك المشكوك في تحصيلها.
وذكرت وكالة موديز، وهي واحدة من أكبر ثلاث شركات تصنيف عالمية، في تقريرها الأخير، الصادر في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، أن من بين البنوك الخليجية التي ستتعرض لضغوط أكثر خلال العام الجاري، بنوك البحرين وسلطنة عمان، لأسباب تتعلق بضعف اقتصاد هاتين الدولتين والموارد المحدودة لديهما لدعم البنوك التجارية.
ولاحظت موديز أن إقراض البنوك الخليجية لشركات الطاقة كان محدوداً مقارنة بنظيراتها الأوروبية أو الأميركية، حيث لم يتجاوز حجم قروض الطاقة 5% من إجمالي حجم القروض التي قدمتها خلال العام الماضي.
كما يرى مصرفيون غربيون أن زيادة الفائدة على الدولار أثرت على هامش الفائدة الصافي الذي كانت تحقق منه ربحية كبيرة في الماضي.
وحسب هؤلاء المصرفيين فإن استفادة المصارف الخليجية من فتح أسواق السعودية أمام الاستثمار الأجنبي وانضمام بعض أسواق المال الخليجية لمؤشرات أسواق المال الناشئة، كانت محدودة بسبب تداعيات الاضطرابات السياسية والحروب في المنطقة العربية التي حدت من التدفقات الأجنبية على أسواق المال بدول الخليج.
وعقب دخل سنوي من مبيعات النفط يفوق ترليون دولار بين أعوام 2012 و2014، كانت تحققه دول الخليج، تدهورت أسعار النفط بنسبة 70%، خلال العام الماضي، وتراجعت معها الدخول النفطية التي كانت تمثل الرافد الأول للسيولة بالبنوك الخليجية، وبالتالي شهدت البنوك الخليجية، خلال العام الماضي، تراجعاً كبيراً في نمو الودائع الحكومية التي كانت تساهم بشكل مباشر في عملياتها التجارية.

ضغوط السيولة

وتعيش البنوك الخليجية حالياً ليس فقط انخفاضاً في الإيداعات الحكومية، ولكن كذلك زيادة في حجم السحوبات الحكومية من حساباتها التي كانت تدخرها، خلال سنوات أسعار النفط المرتفعة، وتستخدمها البنوك في عمليات الإقراض طويل الأجل وتمويل المشاريع الكبرى.

ويرى مصرفيون أن السحوبات الحكومية سببت ضغوطاً، خلال العام الجاري على البنوك، خاصة على صعيد السيولة الدولارية وعلى صعيد الإقراض قصير الأجل الذي كان يجري بسهولة بين البنوك الخليجية في الماضي.
كما لاحظ مصرفيون ارتفاع الفائدة على الإقراض لليلة واحدة بين البنوك التجارية في الإمارات، خلال الشهر الماضي، ونقصاً في الدولار المتاح بين البنوك. وهو أمر مستغرب في الماضي.
يضاف إلى هذه العوامل السالبة، أن الحكومات الخليجية التي تواجه عجزاً كبيراً في الإنفاق تتجه لإصدار سندات من السوق المحلية والعالمية "سندات دين سيادية"، وهو ما يعني أن جزءاً كبيراً من ادخارات القطاع الخاص مع هذه البنوك سيذهب لتغطية هذه السندات خلال الشهور المقبلة.
وبالتالي يرى مصرفيون أن هذه السندات السيادية المتوقع إصدارها ستفقر البنوك الخليجية من السيولة وتكبح قدرتها على منح قروض جديدة. وبلغت قيمة السندات التي أصدرت بدول الخليج، خلال التسعة شهور الأولى من العام 2015 حوالي 47.7 مليار دولار. وهذا المعدل يفوق كثيراً معدلات السندات التي أصدرتها دول مجلس التعاون في العام 2009، الذي شهد انخفاض النفط من 147 دولاراً للبرميل إلى حوالي 45 دولاراً. وبالتأكيد أعلى كثير من حجم السندات التي صدرت في العام 2014 والبالغة 2.8 مليار دولار فقط.

زيادة الضغوط

وحسب مصرفيين غربيين فإن رفع سعر الفائدة الأميركية على الدولار وزيادة استدانة الحكومات من أسواق المال، سيزيد الضغوط أكثر على هامش الفائدة الصافي الذي تعتمد عليه البنوك الخليجية في تحقيق أرباح.

اقرأ أيضا: مؤسسة النقد العربي: الاقتصاد السعودي مستقر

وقال مصرفي خليجي لـ"العربي الجديد" إن مصارف الخليج واجهت، كذلك خلال العام الماضي، خروج مليارات الدولارات من رجال الأعمال إلى عواصم المال العالمية، خاصة لندن وسنغافورة. وأشار إلى أن حوالي 90 مليار دولار خرجت من الخليج العام الماضي، لكن بعضها لأغراض استثمارية. وأضاف أن أثرياء الخليج ينفذون استراتيجيات توزيع المخاطر في إدارة ثرواتهم، تحت وطأة الظروف السياسية المضطربة التي تعيشها المنطقة.
ويرى هذا المصرفي الذي تحدث لـ" العربي الجديد"، أن هذا شيء طبيعي بالنسبة للثروات الضخمة التي يملكها مليارديرات الخليج، ولكنه تم في ظروف غير طبيعية من ناحية السيولة.
وكان الرئيس التنفيذي لبنك أبوظبي الوطني، أكبر البنوك التجارية في الإمارات العربية المتحدة، أليكس تيرسبي، قد قال قبل أسبوعين إن "هناك نقصاً في الدولار لدى البنوك التجارية". وأضاف، في لقاء مع الصحافيين، حسب وكالة "بلومبيرغ": "ليست هناك أزمة، ولكن هناك شح في الدولار"، مشيراً إلى أن الإيداعات الحكومية انخفضت في الإمارات بنحو 13 مليار دولار.

وحسب وكالة "ستاندرد آند بورز"، فإن البنوك الإماراتية تعاني من المالية المتدهورة، بسبب خفض الإنفاق الحكومي، وضعف النمو، وانخفاض نوعية الأصول.

المصارف السعودية

وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قد ذكرت في تقريرها الصادر، في نهاية فبراير/ شباط الماضي، أن تواصل انخفاض أسعار النفط سيزيد من معاناة بنوك الخليج. وتعتمد البنوك الخليجية لدرجة بعيدة على الإنفاق العام والايداعات الحكومية، كما تعتمد كذلك على التمويلات الخاصة بالمشروعات الحكومية. وهذه كلها من النشاطات التشغيلية التي كانت تدر عليها أرباحاً تشغيلية مضمونة ولكنها تقلصت في الآونة الأخيرة.
وفي آخر تصنيفاتها، عدلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للنظام المصرفي السعودي إلى سلبية من مستقرة، وقالت إن التعديل يعكس توقعات بتضرر القطاع المصرفي من استمرار ضعف أسعار النفط وانخفاض الإنفاق الحكومي. وحسب رويترز قالت الوكالة "نتوقع أن يشهد المناخ التشغيلي للبنوك السعودية ضعفاً خلال 12 - 18 شهراً المقبلة".
وأضافت أنه في ظل توقعات باستمرار انخفاض أسعار النفط فترة أطول، وفي ظل خفض الإنفاق الحكومي 14% خلال 2016، فإنها تعتقد أن مخاطر الائتمان في النظام آخذة في التنامي. وقالت موديز إن من المرجح أن يعرض شح السيولة البنوك لتقلبات تمويل كبيرة في ظل الضغوط الإقليمية.
وأدى هبوط أسعار الخام إلى تقلص إيرادات النفط التي تتدفق على البنوك السعودية في حين شرعت الحكومة في إصدار سندات بقيمة تبلغ نحو 20 مليار ريال (5.3 مليارات دولار) شهرياً لتمويل عجز كبير في الموازنة نتج عن تدني أسعار النفط مما زاد الضغوط على السيولة.
وكانت بيانات لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) أظهرت تراجع الأرباح المجمعة للبنوك العاملة في السعودية 3.7% على أساس سنوي بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي في إشارة إلى تأثر القطاع المصرفي بانخفاض الإنفاق الحكومي نتيجة هبوط أسعار النفط.

تحذيرات عالمية

ولا تقتصر مشكلة السيولة التي تسببها أزمة انهيار أسعار النفط على بنوك الخليج فحسب، ولكن كذلك على البنوك العالمية، حيث كانت الدول النفطية تضخ قرابة نصف ترليون دولار سنوياً من الفوائض في النظام المصرفي العالمي، حسب تقديرات مصرفي في بنك " بي إن بي ـ باريبا" الفرنسي. ولكن منذ بداية عام 2015، بدأت البنوك التجارية في أوروبا تعاني من نقص في البترودولارات.



اقرأ أيضا: مخاوف على الليرة عقب ترحيل لبنانيين من الخليج

المساهمون