تداعيات ارتفاع أسعار النفط

تداعيات ارتفاع أسعار النفط

07 يونيو 2016
تذبذب في أسعار النفط عالمياً (Getty)
+ الخط -
ربما لاحظت، مؤخراً، أنك أصبحت تدفع مالاً أكثر لشراء الوقود الخاص بسيارتك. فقد سجلت أسعار النفط العالمية خلال الشهر الماضي أكبر نسبة ارتفاع مئوية في سبع سنوات، ولامس خام برنت حاجز الخمسين دولاراً للمرة الأولى منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فمنذ أن بلغ سعر خام برنت أدنى مستوياته في منتصف فبراير/شباط الماضي حين سجل نحو 27 دولاراً للبرميل، عاد الخام للارتفاع منذ ذلك الحين بأكثر من 85%.
كان الدافع الأساسي وراء هذا الصعود عودة الثقة إلى جانب الطلب في الولايات المتحدة، إضافة إلى تعافٍ نسبي للاقتصاد الصيني هذا العام، بعد مؤشرات على تباطؤ النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وإلى جانب العرض، تأثرت الإمدادات بشكل كبير جراء تراجع الإنتاج، خلال الشهر الماضي، والتي سببتها حرائق الغابات في كندا وهجمات على البنية التحتية في نيجيريا واضطرابات سياسية في فنزويلا. علاوة على ذلك، أدى تراجع عدد الحفارات النفطية العاملة في حقول الولايات المتحدة إلى 315 في الأسبوع الماضي، مقارنة بنحو 650 حفارة قبل عام، إلى انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من النفط بأكثر من 600 ألف برميل يومياً منذ مطلع العام الحالي.
لا شك أن دولاً عديدة في العالم، استفادت من تراجع أسعار النفط، خلال العامين الماضيين، حيث أدى التراجع إلى تخفيف الضغوط التضخمية على اقتصاداتها وإبقاء أسعار الفائدة العالمية عند مستوياتها الحالية المتدنية نسبياً، ما أسهم في دعم طفرة عالمية في أسواق الأسهم والعقارات قد لا تستمر طويلاً. مقابل ذلك، يعتبر ارتفاع أسعار النفط وعودة التضخم من الأمور الجيدة اقتصادياً، على المدى القصير، خاصة بالنسبة للدول التي عانت من انخفاض قيمة صادراتها، بالتزامن مع تراجع النفط.
لكن على المدى الطويل، فإن استمرار ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على ديناميكية الاقتصاد العالمي، خاصة مع استمرار الاعتماد العالمي على الوقود الأحفوري في النقل والطاقة والتصنيع، ما يجعله من أهم السلع التي تباع وتُشترى في العالم.
وتتضح أهمية النفط، في الاقتصاد الحديث، كسلعة لها ثقلها في التأثير على المؤشرات الاقتصادية، مثل التضخم والانكماش، حتى بالنسبة لكبرى اقتصادات العالم. إذ أصبح هناك ارتباط واضح، يمكن ملاحظته، بين أسعار النفط من جهة، وبين المواد الخام والمصنعة من جهة أخرى، حيث تدخل تكاليف الطاقة ضمن نفقات إنتاج وتصنيع هذه المواد خاصة في نصف الكرة الشمالي.
أمام كل ذلك، تتضاءل أهمية ارتفاع كلفة ملء خزان الوقود في سيارتك عند النظر إلى قدرة أسعار النفط في التأثير سلباً على أسعار الفائدة العالمية (كلفة الإقراض) وسعر صرف العملات، ذلك أن استمرار ارتفاع النفط، بالوتيرة نفسها الحالية الحادة، قد يطلق شرارة عودة التضخم إلى الاقتصاد الأميركي واقتصادات الدول الناشئة المنهكة، تتبعها سلسلة من قرارات رفع أسعار الفائدة العالمية، وما لها من أثر مدمر على الاقتصاد العالمي. وكلما ارتفع سعر صرف الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية، فإن عملات كثيرة من دول العالم ستتعرض لمزيد من الانخفاض في قيمها، وبالتالي، لمزيد من الانخفاض في قوتها الشرائية.
لك أن تتخيل، الأن، الوضع الاقتصادي المتردي الذي ستؤول إليه معظم هذه الدول مع ارتفاع معدلات التضخم لديها وانخفاض قيم عملاتها المحلية أمام الدولار الأميركي. يسمى هذا الوضع الاقتصادي الجديد بـ "الركود التضخمي"، حيث يمر الاقتصاد بحالة من النمو الاقتصادي الضعيف، ونسبة بطالة عالية، يرافقه تضخم في الأسعار وتدهور القوة الشرائية للعملة المحلية.
عندما كانت أسعار النفط تتراجع بشكل حاد خلال العامين الماضيين، كان ملايين المستهلكين حول العالم يترقبون بشغف كبير حدوث تراجع ملموس لأسعار كثير من السلع والخدمات الأساسية المرتبطة ارتباطاً مباشراً، أو غير مباشر، مع أسعار النفط، لكن ما الذي جرى؟
في الواقع، لم تشهد الكثير من هذه السلع والخدمات، مثل النقل العام والشحن والمواد الغذائية، أي انخفاض جوهري على أسعارها، إلا في محطات البنزين، ما يجعلنا نستنتج قيام الشركات بإبقاء أسعار منتوجاتها وخدماتها مرتفعة وحصولها على أرباح إضافية مقابل استفادتها من النفط الرخيص. واليوم مع دخول أسعار النفط منعطف الصعود، مجدداً، فإن ذلك سيبقينا تحت رحمة جشع وطمع هذه الشركات التي لن تتوانى عن رفع أسعار خدماتها ومنتوجاتها التي بقيت مرتفعة حتى حين كانت أسعار النفط تتهاوى.
لحسن الحظ، معظم توقعات المحللين توحي بأن أسعار النفط قد تعود إلى التراجع مجدداً والبقاء على ذلك لبعض الوقت!
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون