تحية إلى وداد

تحية إلى وداد

30 اغسطس 2016
لم يتعبن يوماً (فيسبوك)
+ الخط -

غضِبَت وصاحت بانفعال وصلني واضحاً من سماعة الهاتف: "أنتم لا تتذكروننا إلا في المناسبات!" كانت تقصد أهالي المفقودين والمخطوفين. وأقفلنا الخط على زعل.

تدخّل زميل وصديق مشترك في إعادة الوصل بيننا. التقينا في مكتبها. قالت لي ما معناه أننا لسنا بحاجة إلى دموع وبكاء ونحيب أو غيرها. قالت ذلك بصلابة. فسألتها وقتها، وأنا الطريّ العود بملفّ المفقودين والمخطوفين، عن اقتراحها. أجابت: "اذهب واسأل الخاطفين ماذا فعلوا بضحاياهم. لماذا تسألني أنا؟ ألست صحافياً؟ اذهب واسألهم ماذا فعلوا بهم. وعندما تنتهي من ذلك، يمكن أن أجيبك على ما تريد".

عندما أخبرتُ الزميل والصديق المشترك بما دار بيني وبين رئيسة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان، وداد حلواني، ضحك وأفتى بضرورة ضمّها إلى قسم التحقيقات في الجريدة المحلية التي كنا نعمل فيها يومذاك.

وللحقيقة، فقد أثارتني الفكرة التي طرَحتها وداد فقرّرت تنفيذها. توجّهت نحو ثلاثة أحزاب لبنانية ممن مارست الخطف والقتل أثناء الحرب الأهلية. اتصلت بمسؤوليها وطلبت منهم مواعيد لموضوعي بعدما أبلغتهم بالعنوان الذي أعمل عليه.

لم يكن سرّاً أنهم كذبوا في المقابلات حتى الثمالة. واحد، مسؤول عسكري، رمى مرحلة الخطف كلّها على فترة حزبية سابقة لم يكن من أصحاب القرار فيها، بحسب ما ادعى. الثاني، وهو مسؤول الإعلام في حزبه (رفض المسؤول العسكري الإجابة عن الأسئلة) وكان بعد طفلاً في زمن الحرب الأهلية كاد يزايد على لجنة الأهالي بالمطالبة بالمخطوفين. أما المسؤول الأمني للحزب الثالث فطلب الوقت لعرض الموضوع على رئيسه الذي فضّل "عدم فتح هذا الملف حاليا".

بعد الانتهاء من المقابلات الثلاث رجعت إلى وداد، التي فنّدت إجابات من وافق على الكلام من بينهم، ودحضتها بالمعطيات والتواريخ.

كانت تلك معموديتي الأولى في هذا الملف.

لاحقاً، صرت صديقاً لوداد ولأمهات وزوجات وبنات المفقودين. أصل لتغطية نشاط فيستقبلنني بأكياس اللافتات كي أحملها معهن، فأرحّب صاغراً. لا يمكنك ألاّ تخجل من عيون هؤلاء السيدات ومن أيديهن. أصل إلى النشاط كصحافي، ثم ما ألبث أن أصير واحداً من المشاركين فيه.

وهؤلاء النساء قويّات، لم يتلكأن يوماً عن المطالبة. لم أفهم يوماً من أين يأتين بكل هذه القوة. لم يسلّمن يوماً بواقع الحال ولم يستسلمن له. عرفت العديدات منهن وكتبت الكثير من قصصهن وكلّها قصص موجعة. لم يتعبن رغم العمر الذي أنهك عظامهن واعتصر صبرهن.

لهؤلاء النساء ومن شابههن، تحية ووردة، اليوم وكل يوم.


المساهمون