تحول نوعي في مفهوم "السلمية"
مصريون يتظاهرون في بني سويف في ذكرى "رابعة" (أغسطس/2014/الأناضول
ظواهر جديدة برزت في الحراك الرافض للانقلاب في مصر، في الذكرى الأولى لفض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، من أبرزها تعرض محولات كهرباء في القاهرة والاسكندرية وغيرها للحرق على أيدي مجهولين، قطع الطرق الرئيسية بإشعال إطارات، ووضع زيوت في أرضيتها، في معظم محافظات القاهرة، ما ترتبت عليه حالة من الارتباك والشلل المروري، حرق أقسام الشرطة وسيارات الضباط الخاصة، وكذلك أحياء تابعة للمحافظة، ثم، وهذا هو الأهم والأخطر، بروز كيانات، مثل حركة أطلقت على نفسها اسم حركة المقاومة الشعبية، التي أعلنت أن هدفها القيام بعملياتٍ نوعيةٍ، مثل قطع الطرق، واختراق بث إذاعات وفضائيات حكومية وخاصة موالية، بل وصل الأمر إلى بروز شبابٍ مسلحٍ في جنوب القاهرة، لمواجهة ما أسموها انتهاكات وزارة الداخلية ضدهم، معربين عن استعدادهم لإلقاء أسلحتهم حال وقف الشرطة هذه الانتهاكات، مع تأكيدهم أنهم شباب يحب بلاده، ولا ينتمي إلى تحالف دعم الشرعية، أو إلى الإخوان المسلمين، بل أكد هؤلاء أنهم سئموا من سلمية الإخوان "المفرطة"، التي كانت سبب زيادة انتهاكات الداخلية بحقهم.
إذن، نحن أمام ظواهر جديدة في المشهد المصري، تطرح أسئلة عديدة:
أولها: مفهوم السلمية وحدوده، وهل هذا المفهوم يقتصر على التظاهر السلمي "السلبي" الذي يراه قطاعٌ ليس قليلاً من الشباب الرافض للانقلاب بأنه غير مفيد، وغير ذي جدوى، بل إنه يمكّن الداخلية من المظاهرات التي ربما تنفض، بمجرد رؤية المدرعات. وليت الأمر يقتصرعلى ذلك، بل قد يطال هؤلاء إصابات أو اعتقالات، أو حتى وفيات من دون إلحاق أي ضرر بالخصم، وفق وجهة نظرهم. وبالتالي، يرون ضرورة توسيع نطاق السلمية، بحيث تعني "كل ما هو دون الدم". وبالتالي، لا تعدو هذه المظاهر الجديدة كونها مظاهر سلمية، من وجهة نظرهم.
ثانياً: يبدو أن توسيع مفهوم السلمية، بالمعنى السابق، لا يزال مثار جدل كبير داخل تحالف دعم الشرعية، بل إنه من النقاط الخلافية بين قطاع كبير من قاعدته الشبابية والقيادات التي تخشى من أن تؤدي مثل هذه العمليات النوعية إلى نتائج سلبية، تطال شباب التحالف وقياداته على حد سواء. وبالتالي، يحتاج التحالف لتقييم التأثير الإيجابي للمظاهرات السلمية في الطرف الآخر، وهل هي كافية بمفردها لإجباره على الرحيل أم لا؟ وهل يمكن أخذ وجهة نظر الشباب في الاعتبار، وكذلك هل يمكن التوصل إلى صيغة توافقية، تحفظ وحدة الصف على الصعيد الرأسي "القيادة / القواعد الشبابية؟ لكن، يبدو حتى هذه اللحظة، ومن البيانات الصادرة من التحالف وكذلك من الإخوان، عدم التطرق إلى هذه الجزئية "توسيع مفهوم السلمية"، والاكتفاء، في المقابل، بنفي أي علاقة بأعمال العنف المسلح. ومن ذلك بيان "الإخوان" والتحالف الأخير بخصوص نفي أي صلة لهما بمجموعة حلوان المسلحة.
ثالثاً: الوضع في مصر مرشح للتصعيد في الفترة المقبلة، سواء كان هذا التحول النوعي نابعاً من رؤية جديدة للتحالف والإخوان، أو أنه نابع من اجتهادات مجموعات شبابية، كفرت بسياسة التنظيم ونهجه السلمي. وبالتالي، هي خرجت عن طوعه، أو مجموعات أخرى هي، بالأساس، غير منظمة، لكن، طالها من الأذى ما طال أقرانها في التحالف والإخوان. وبالتالي، سنكون أمام ظاهرة جديدة لشباب غير خاضع تنظيمياً لقيادة مؤسسية، وإن كان من الواضح أن هناك تنسيقاً بين هؤلاء الشباب، لمسناه في تزامن عمليات قطع الطرق، في مناطق مختلفة في أزمنة متقاربة.
هذه الظواهر الجديدة نتاج حرص التنظيم على عدم التفكير خارج الصندوق من ناحية. وفي المقابل، إصرار سلطات الانقلاب على قيادة مصر إلى حافة الانهيار، بالإعلان عن معركة "الوجود" في خطاب عبد الفتاح السيسي، خلال الاحتفال بثورة يوليو. وسواءً كانت هذه الحركات نتاج ممارسات النظام الانقلابي، أو هي صنيعته كما يردد بعضهم، فإنها تشير، في الحالتين، إلى أن النظام ماض في سياسة القبضة الأمنية إلى النهاية. ولا مجال لديه للحديث عن حلول سياسية. وبالتالي، هو يضع الخصم في مأزق أمام قواعده الشبابية، وسيجعل أصوات الحمائم تتراجع، في مقابل الأصوات التي تصر على إحداث تحولٍ نوعيٍ في المواجهة، في إطار الحفاظ على السلمية.
وبالتالي، قد نكون أمام حالة من اللااستقرار واللاعنف، تجعل الطرفين عاجزين عن تحقيق أهدافهما التي أعلناها من البداية، فلم يسقط الانقلاب بعد عام، ولم تستقر البلاد أيضاً. ويبقى السؤال من المسؤول عما يحدث؟ ومن الطرف الذي ينبغي عليه تقديم التنازلات، للخروج من هذه المعضلة؟ وإن كانت شواهد الماضي القريب في زمن حكم محمد مرسي تشير، من وجهة نظر معارضيه، إلى أن سلطات الحكم هي التي ينبغي أن تأخذ زمام المبادرة.