تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بجرائم إسرائيل: 120 يوماً حاسماً

تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بجرائم إسرائيل: 120 يوماً حاسماً

رام الله

نائلة خليل

نائلة خليل
22 ديسمبر 2019
+ الخط -
اختارت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، نهاية الأسبوع السابق، لبدء عطلة أعياد نهاية العام، لتعلن طلبها من الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية، ومقرها لاهاي، إصدار حكم بشأن الولاية الإقليمية للأراضي الفلسطينية المحتلة، تمهيداً لفتح تحقيق جنائي في الجرائم الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وذلك لأنها كانت على علم - كما يبدو - بحجم الغضب الأميركي والإسرائيلي الذي سيخلّفه هذا الإعلان، الذي وصل إلى حدّ وصف المحكمة بأنها "أداة سياسية".

ويتوقّع الفلسطينيون الذين رحبوا بالخطوة واعتبروها أول الطريق لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، أن تلجأ الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال إلى الضغوط وتهديد القضاة والمدعية العامة في المحكمة الجنائية، وخصوصاً بعد المواقف الصادرة عن الطرفين بشأن هذا التطوّر الأخير، بما في ذلك وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إعلان بنسودا بأنه "أداة سياسية لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل"، وتذكيره بأنّ إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية.

أمّا التنديد الأميركي، فسرعان ما عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي أكّد تعليقاً على قرار بنسودا، الجمعة، أنّ الولايات المتحدة "تعارض بحزم" أي تحرّك للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ إسرائيل. وأشار بومبيو في تصريحات له، إلى أنّ "بنسودا طلبت من قضاة المحكمة الجنائية الدولية تأكيد أنّ اختصاص الأخيرة يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية و(قطاع) غزة"، مضيفاً: "نعارض بحزم هذا الأمر، وأي تحرّك آخر يسعى إلى استهداف إسرائيل بطريقة غير منصفة".

وتابع الوزير الأميركي، قائلاً: "باتخاذها هذا الإجراء، تعترف المدعية بشكل واضح بأنّ هناك قضايا قانونية جدية بشأن سلطة المحكمة في إجراء تحقيق". وأضاف: "لا نعتقد أنّ الفلسطينيين مؤهلون كدولة ذات سيادة، ولهذا هم ليسوا مؤهلين للحصول على عضوية كاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية".

وسبق أن سحبت أميركا خلال العام الحالي تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الممنوحة للمدعية العامة، فاتو بنسودا، وأجبرتها على الوقوف في طابور للحصول على تأشيرة من جديد، كإجراء عقابي لها على خلفية ما يتعلّق بالتعاطي مع الشكاوى الفلسطينية لدى المحكمة. لكنّ واشنطن اضطرت لاحقاً إلى إعطائها إذن الدخول إلى البلاد، بسبب وجوب مشاركة بنسودا في جلسات الأمم المتحدة في نيويورك.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2014، أودعت دولة فلسطين إعلاناً منحت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية اختصاصاً قضائياً رجعياً حتى 14 يونيو/ حزيران 2014 لتمنح المدعية العامة صلاحية النظر في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014. وفي الثاني من يناير/كانون الثاني 2015، أودعت دولة فلسطين صكّ الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية كدولة طرف، ودخل ذلك حيز التنفيذ في 1 إبريل/ نيسان 2015. وبشكل عام، سلّمت دولة فلسطين مكتب المدعية العامة شكاوى أساسية في ثلاثة ملفات هي: الاستيطان واعتداءات المستوطنين، الأسرى، والعدوان على غزة عام 2014.

في السياق، قال مساعد وزير الخارجية الفلسطينية للعلاقات متعددة الأطراف، عمار حجازي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك ضغطاً قائماً حالياً على المدعية العامة وقضاة المحكمة الجنائية، إذ تهدد الولايات المتحدة، الصديقة والداعم الأول للاحتلال الإسرائيلي، بأنها ستفرض عليهم عقوبات تصل إلى حدّ منعهم من تحويل الأموال وإغلاق حساباتهم". وتابع: "على الرغم من هذه الضغوط، إلا أنّ المدعية العامة امتلكت القوة والجرأة لتقوم بإجرائها الأخير، ونأمل أن يمتلك القضاة القناعة والجرأة نفسها، ويؤكدوا الولاية الإقليمية المحسومة حسب القانون الدولي".

وحول السيناريوهات المتوقعة، قال حجازي: "أولاً يجب أن تقوم الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية بالبتّ في الموضوع، لأنّ ما طلبته المدعية العامة هو تأكيد للاختصاص الإقليمي، أي أنّ كل ما وقع من جرائم على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، جرائم تقع ضمن الاختصاص القانوني للمحكمة الجنائية الدولية". وتابع: "المدعية العامة وصلت إلى قناعة بهذا الأمر، لكن تريد من المحكمة التمهيدية تأكيد ذلك فقط، أي أنّ القرار الذي توصلت إليه المدعية، حسب ما قالت، هو قرار سليم، ولدى الدائرة التمهيدية 120 يوماً لتقرّ هذا الموضوع، وبعد ذلك تفتح المدعية العامة تحقيقاً رسمياً في الجرائم".

لكن ماذا لو حكمت الدائرة التمهيدية بأنّ الاختصاص الإقليمي ليس هو المطلوب، وبأنّ هناك خلافاً عليه؟ أجاب حجازي: "إذا لم تقرّ الدائرة التمهيدية بما أقرته المدعية العامة، فهذا يتيح للأخيرة أن تستأنف القرار بتقديم وثائق إضافية لإثبات الأمر".

وشدّد حجازي على أنّ "كل مواثيق القانون الدولي والجهات القانونية الدولية التي لها علاقة بهذا الموضوع، أقرّت بأنّ الأراضي المحتلة هي أراضي دولة فلسطين المحتلة، وهي نطاق إقليمي، من يملك عليها السيادة هو الشعب الفلسطيني ولا أحد سواه. لذلك، صعب جداً أن يخرج قرار من الدائرة التمهيدية عكس ما أقرّت به المدعية العامة. ولكن لأسباب قانونية، ولكي تضمن الأخيرة ألا يثار هذا الأمر، أي الولاية الإقليمية، في أثناء انعقاد المحكمة، أرادت أن تنتهي منه في هذه المرحلة، ليتسنى لها فتح التحقيق على بينة لا أحد يستطيع دحضها".

وأوضح حجازي أنّ "كل الدفوعات التي قدّمها الاحتلال الإسرائيلي، تقع في إطار الاختصاص الإقليمي، والمدعي العام الإسرائيلي (المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفيحاي مندلبليت)، قال إنه لا اختصاص للمحكمة الجنائية، لأنّ الأراضي الفلسطينية متنازع عليها، وهذا الموقف تتبناه إسرائيل حصراً في كل العالم، ومن جديد انضمت إليها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن الولاية الإقليمية أمر محسوم في القانون الدولي، ومعروف ما هو الإقليم الجغرافي لدولة فلسطين، وهي الأراضي التي احتلت عام 1967 كافة، وجميع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة والجهات الدولية القانونية ذات الصلة، أكدت هذا الموضوع".

وحول المهلة الزمنية أوضح حجازي: "مهلة الـ120 يوماً منصوص عليها في الإطار الزمني المحدد في دليل ممارسات المحكمة الجنائية. فعندما تطلب المدعية العامة من المحكمة الابتدائية تأكيد أمر ما في إطار الولاية القانونية، يمكن أن تعود للدائرة التمهيدية، وتطلب رأيها، والأخيرة تنظر في ذلك في مدة زمنية أقصاها 120 يوماً". وحول إمكانية وقف الإجراءات في المحكمة الجنائية بطلب فلسطيني لاحقاً، قال حجازي إن "الإجراءات بدأت، ولا يمكن أيّ أحد إيقافها".

من جهته، قال المستشار القانوني لـ"مؤسسة الحق" الفلسطينية عصام عابدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّه "قد يكون في طلب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية من الدائرة التمهيدية للمحكمة فحص الولاية الجغرافية لفلسطين، بعد سياسي"، مضيفاً أنه "كان من المفترض أن تفحص ذلك منذ البداية، لأنّ فحص الولاية الجغرافية من الأساسيات، وما كان من المفترض أن تعلن الدراسة الأولية من دون فحص الولاية الجغرافية".

وفي 16 يناير/ كانون الثاني 2015، أعلن مكتب المدعية العامة للمحكمة إطلاق الدراسة الأولية في الحالة في فلسطين. وتحقق المدعية العامة خلال الدراسة الأولية في ما إذا كان هناك أساس معقول لفتح التحقيق الجنائي. وطوال السنوات الماضية، قدم الفلسطينيون آلاف الوثائق والملفات وعقدوا أكثر من 14 اجتماعاً مع المحكمة الجنائية، لتزويدها بأي وثائق أو ملفات، سواء جرى الاستيضاح عنها من قبل المحكمة الجنائية خلال الدراسة الأولية، أو لتأكيد جرائم الاحتلال.

ورأى عابدين أنّ قرار المدعية العامة بإحالة الأمر على الدائرة التمهيدية للمحكمة "يضعنا في متاهات، ولا مبرر لما قامت به"، معتبراً أنّ "ما فعلته كأنه مماطلة وتسويف، وهو يخالف القانون الدولي، ويعيدنا إلى النقطة الصفر". ولفت إلى أنّ "ما يجري الحديث عنه، بأنّ من حق كل فلسطيني أن يذهب ويرفع قضية أمام المحكمة الجنائية، كلام عام".

وبخلاف رأي حجازي، أشار عابدين إلى أنّ "المدة الزمنية للدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية غير واضحة، حتى لو طلبت المدعية العامة ذلك، والخطير أن نجعل الموضوع قابلاً للنقاش"، مشيراً إلى أنّه "قد تذهب الدائرة التمهيدية إلى القول بعدم وجود ولاية قانونية على الضفة الغربية وقطاع غزة".

إلى ذلك، قالت معلقة الشؤون القضائية في قناة "كان" العبرية أمس السبت: إنّ "الاعتقال سيهدد مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين في أكثر من 100 دولة، إذا ما فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في شبهات ارتكاب جرائم حرب في المناطق الفلسطينية".

ذات صلة

الصورة

سياسة

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إفادات وصفها بالصادمة عن سلسلة جرائم مروعة وفظائع ارتكبها جيش الاحتلال خلال عمليته المستمرة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.
الصورة
إطلاق نار (إكس)

سياسة

شددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، إجراءاتها العسكرية في بلدات عدّة غربي رام الله، وسط الضفة الغربية، بعد عملية إطلاق نار قرب طريق استيطاني.
الصورة

سياسة

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، بأن بريطانيا اشترطت على إسرائيل السماح بزيارة دبلوماسيين أو ممثلين عن منظمة الصليب الأحمر عناصر النخبة من حماس المعتقلين.
الصورة
طفل مصاب بالسرطان ووالدته من غزة في مستشفى المطلع في القدس في 17 أكتوبر 2023 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

مجتمع

قرّرت المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي إعادة 20 مريضاً فلسطينياً مصاباً بالسرطان، من بينهم أطفال، إلى قطاع غزة المحاصر رغم تهديد حياتهم بالخطر.

المساهمون