تحريم الدم العراقي... مشروع مصالحة يواجه التحفظ

تحريم الدم العراقي... عنوان مشروع مصالحة تتحفظ كتل سياسية عليه

06 يناير 2018
نجاح المشروع والتجاوب معه سيحسب كنجاح للعبادي (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -

تحريم الدم العراقي، ومصالحة شاملة وتصفير للمشاكل السابقة وتضمين فقرة بالدستور العراقي تجرم الطائفية والعنصرية القومية، والاتفاق على الخطاب الديني المعتدل، وبنود أخرى ضمن مشروع شامل يعكف رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي على تقديمه إلى القوى السياسية المختلفة بهدف التوافق عليه خلال عام 2018. وسيكون المشروع ملزماً للجميع، على أن يتم تشكيل لجنة عليا، من رؤساء كتل وأحزاب وقضاة وأكاديميين لتفعيل بنوده، وذلك برعاية ودعم من الأمم المتحدة، التي تعتبر ذلك أبرز المهام التي على العراقيين إنجازها بعد زوال حقبة تنظيم "داعش" لضمان عدم عودته أو عودة نسخة أكثر بشاعة منه.

وأكد مسؤول رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء، لـ"العربي الجديد"، "جدية المشروع الذي يعتبره العبادي سداً منيعاً لضمان عدم تدهور الأوضاع في العراق مجدداً وضياع الدماء التي استنزفت لقاء تحرير أراضيه من التنظيم" وفقاً لقوله. وبحسب المسؤول فإن المشروع الذي يستعد العبادي لطرحه هو مصالحة وطنية شاملة، وتصفير للمشاكل. ويتضمن المشروع عدة بنود، بينها تحريم الدم العراقي، وتضمين فقرة في الدستور تجرم الطائفية والعنصرية القومية والاتفاق على الخطاب الديني المعتدل، وعدم التطرق إلى القضايا الخلافية الجانبية، وتعويض كل من تضرر من الفتنة الطائفية السابقة ومن الجرائم الإرهابية أو جرائم وانتهاكات المليشيات وحل مشكلة "المساجد والجوامع المغتصبة" منذ 2006. كما أنه يتضمن إنصاف المحافظات الجنوبية بالإعمار أسوة بالمحافظات المدمرة من تنظيم "داعش" شمال وغرب العراق وحل الملف الكردي وقضية كركوك والتأكيد على مدنية الدولة، ومعالجة تركة رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، الطائفية خلال توليه سدة الحكم في البلاد لأكثر من ثماني سنوات، ومن أبرزها أحكام الإعدام والسجن التي صدرت بحق سياسيين سنة معارضين له، والتي يرى مراقبون أنها كانت سبباً لتفجر الأوضاع في العراق نهاية العام 2013.

ولفت إلى أن "المشروع بصيغته النهائية يجب أن يكون مكتملاً خلال فترة وجيزة، كتعزيز لإعلان النصر على تنظيم داعش ومنع عودته أو عودة التطرف الديني مرة أخرى" وفقاً لقوله. وأضاف أن "الأمم المتحدة تدعم المشروع بشكل كامل، لكن هناك أحزابا وكتلا داخل التحالف الوطني الحاكم في البلاد، من أبرزها ائتلاف دولة القانون وكتلة بدر والفضيلة والمجلس الأعلى يتحفظون منذ الآن على بعض الفقرات، ويحاولون صياغتها بما يتوافق مع أهوائهم السياسية، وأيضاً فيهم من يرى أن نجاح المشروع والتجاوب معه سيحسب كنجاح للعبادي بشكل يضعفهم انتخابياً أو شعبياً داخل الجنوب وبغداد".

وقال سياسيون في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء يتعرض لضغوط ومشاكل عدة في هذا الملف، وتحديداً معالجة تركة نوري المالكي، بحكومتيه الأولى والثانية 2006 ولغاية 2014". وقال القيادي في التيار المدني، حسام العيسى إن "العبادي يمتلك نوايا حسنة في هذا الملف تحديداً، ويرغب بأن يكون رجل دولة، لا عضو حزب إسلامي ذات توجه طائفي"، مبيناً أن أطرافاً داخل التحالف الوطني الحاكم تمارس ضغوطاً مع كل خطوة لرئيس الوزراء في هذا الملف الذي بات حيوياً ومهماً للعراقيين. وأكد أن "أشد هذه الضغوط تمارس من قبل ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، ومن أطراف داخل هيئة الحشد الشعبي"، واصفاً تلك الضغوط بالقول "بعضهم لا يرغب بالطرف الآخر كشركاء في الوطن لهم حقوق وعليهم واجبات بالتساوي".


وحول ذلك، قال النائب العراقي، علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء حيدر العبادي بدأ بخطوات كبيرة في ملف المصالحة، وبشكل فعلي، ولكن هناك من يحاول إفشال جهوده". وأضاف "بصراحة ملف المصالحة كان حبراً  على ورق طيلة السنوات الماضية، والعبادي يريد اليوم أن يكون واقعاً ملموساً على الأرض، لكن هناك أطرافا سياسية تحاول إفشال هذا المشروع، ولا تريد للرجل أن يعمل، ونواياه تقابل بمحاولات تدميرها أو إفشالها". وتابع "بعض الكتل لديها قناعة بأن بقاءها وسيطرتها وهيمنتها على المشهد العراقي يعتمد على الخلافات" في إشارة إلى الورقة الطائفية في العراق. واعتبر رزاق الحيدري، النائب عن كتلة "بدر"، إحدى كتل "التحالف الوطني"، أن مشروع المصالحة ليس مشروع العبادي بل مشروع التحالف الوطني الحاكم، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "مشروع المصالحة المطلوب هو المصالحة المجتمعية داخل الشارع العراقي وليس مشروع مصالحة سياسية لأن السياسيين لن يتفقوا"، مضيفاً إن "عقد مؤتمرات وندوات في فندق بابل أو الشيراتون لن تفضي إلى مصالحة". واعتبر أن "الحديث عن مصالحة أو عفو عن سياسيين، مثل طارق الهاشمي أو رافع العيساوي، خيانة ووهم لمن يحاول ذلك"، مستدركاً "يمكن للقضاء أن يكون الفيصل".

وأكدت النائبة عن "ائتلاف دولة القانون"، فردوس العوادي، أن فريق الأمم المتحدة في العراق أعد ورقة للتسوية السياسية، معتبرة أن "هذه الورقة منحازة وغير نزيهة، لأنها تميل إلى أطراف سياسية تتبنى أجندات مشبوهة تشجع على التدخل في شؤون العراق". وأضافت أن "الورقة تتضمن إعادة محاكمة السياسيين المدانين بالإرهاب، والإفراج عن بعض المعتقلين من رموز النظام السابق" قبل الغزو الأميركي في العام 2003، مؤكدة، في بيان، أن "هذا الأمر يمثل طعناً بمصداقية القضاء العراقي". وتابعت إن "تضمين الورقة فقرة تتعلق بما يسمى تحقيق التوازن في التمثيل الحكومي لطرفي المعادلة السياسية من الشيعة والسنة، وتعديل فقرات قانون العفو العام يمثل تدخلاً سافراً بالشأن العراقي، فضلاً عن كونه ترسيخا للمحاصصة الطائفية والحزبية، وتشجيعا على إبقاء الأزمات قائمة من دون حلول"، مبينة أن "الفقرات التي جاءت بها ورقة التسوية فيها تجاهل لرأي الاكثرية، وفيها مس مباشر لمشاعر العراقيين وضحايا الإرهاب". وأكدت رفضها "التعامل مع القيادات السياسية التي أدينت بعمليات إرهابية"، مشيرة إلى أن أية تسوية سياسية يجب أن تخرج من إرادة العراقيين، وألا تكون على شكل مقترحات أو إملاءات تأتي من الخارج".

ورأى المحلل السياسي العراقي، علي البدري، أن رفض "ائتلاف دولة القانون" للتسوية مع المعارضة ربما له ما يبرره، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن "عودة معارضين وإلغاء أحكام بحق سياسيين أمور تحمل إشارات إلى أن الحكومة السابقة (حكومة المالكي) كانت تقصي خصومها بطريقة غير منصفة". وأوضح أن العبادي سيواجه زلزالاً داخل حزبه في حال فكر بالتصالح مع المعارضة التي أقصاها المالكي، مبيناً أن التسوية السياسية تعد أمراً ضرورياً لإخراج العراق من وضعه الحالي. يشار إلى أن حكومتي المالكي كانتا أقصتا المعارضين، وأصدرتا ضد بعضهم أحكاماً قضائية تحت مسمى الإرهاب، وهو ما أثار حفيظة المحافظات الشمالية الغربية التي نظمت تظاهرات واعتصامات واسعة نهاية 2013 ومطلع 2014.

المساهمون