تحدّيات منع الشارع السني اللبناني من الانزلاق نحو "التطرف"

تحدّيات منع الشارع السني اللبناني من الانزلاق نحو "التطرف"

18 اغسطس 2014
يشعر سنة لبنان بالغربة عن بلدهم (إبراهيم شلهوب/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
بات واضحاً أن عودة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري إلى لبنان، تهدف إلى منع انزلاق الشارع السنيّ اللبناني في خطاب أكثر تشدداً، يتلاقى مع خطاب تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة". 
الحريري بنفسه، أعلن أن عودته لا ترتبط بتسوية سياسيّة، بل بدعم الجيش اللبناني. ويقول مقربون من السعوديّة إن قرار عودة الحريري مرتبط بخشية جديّة عند المملكة من نموذج عراقي في لبنان، شبيه بما جرى في شمال العراق.

إذاً، ترتبط عودة الحريري، بملف رئيسي أهم من ملفات أخرى. ولكن هل تكفي عودة الحريري لضبط الشارع ومنع انزلاقه؟ هل تكفي ملايين الدولارات التي يجري توزيعها هنا وهناك، لإعادة التوازن إلى الشارع السني؟ هل يستطيع تيّار المستقبل ترجمة قرارات قيادته السياسيّة على الأرض؟

أسئلة كثيرة تُطرح، بعد نحو أسبوع على عودة الحريري إلى لبنان، ثم مغادرته بعد أيّام إلى جدّة. تمتلئ الصالونات السياسيّة السنيّة بأحاديث ونقاشات معمّقة حول هذا الموضوع. لا يملك كثيرون جواباً حاسماً عن مدى قدرة الحريري على ضبط شارعه. حماسة مؤيدي الحريري تدفعهم للجزم بنجاحه، فيما يؤكّد معارضوه أنه سيفشل.

أما من يقرأ الأمور بشكلٍ عقلاني، فيتبيّن له وجود مستويين طارئين على الحريري، أن يجد حلولاً منطقية وسريعة لهما، وإلا فإن مهمته الجديدة سيكون مصيرها الفشل:

1 ــ المستوى الديني: خاض تيّار المستقبل، وخصوصاً الرئيس فؤاد السنيورة، معركة قاسية مع دار الفتوى على مدى أربع سنوات. استعمل فيها كل "الأسلحة" الممكنة، من الهجوم الإعلامي وترويج معلومات غير دقيقة، وحصار سياسي وإعلامي لدار الفتوى، وعزل المفتي سياسياً، ورفع الدعاوى القضائيّة.

وانتهى الأمر برفض دعوات المفتي إلى انتخاب مجلس شرعي، ومقاطعة الانتخابات، وعدم الاعتراف بمفتيّ المناطق الذين عيّنهم المفتي، والإصرار على إبقاء الذين انتهت ولايتهم.

بغض النظر عمن كان محقاً في هذه المعركة، التي انتهت بأن أكمل المفتي ولايته وانتخب مفتٍ جديد بالتوافق مع السابق، فإن النتيجة الأكيدة أن صورة وهيبة دار الفتوى (المرجع الديني الرسمي للسنة) تعرّضت للتشويه، وبات بإمكان أيٍّ كان، اليوم، أن يتّهم المفتي ودار الفتوى، وأن يُقاطعها ويجرّها إلى المحاكم.

الأمر الثاني المتعلق بدار الفتوى، هو التوافق السياسي على رئيس المحاكم الشرعية، عبد اللطيف دريان، كمفتٍ جديدٍ للجمهورية اللبنانية. لا يوجد إجماع بن العلماء على شخص دريان، لا بل إن كثيرين يُشككون بقدرته على أن يقود دار الفتوى، في ظل وجود رجال دين أعلم منه، إلى جانب انتشار كثير من الأقاويل حول إدارته للمحاكم الشرعية عندما تولّى رئاستها.

إلى جانب ضرورة إعادة الهيبة إلى دار الفتوى، وصعوبة هذا الأمر، فإن الحريري وفريقه السياسي يُضيّقون على جهة دينية ــ سياسيّة، يُمكن أن تؤدي دوراً أساسياً في سياق تثبيت الاعتدال في الشارع السني، وهي الجماعة الإسلامية (الفرع اللبناني لتنظيم الإخوان المسلمين).

وقد برز هذا التضييق برفض انتخاب أحد رجال الدين مفتياً، بسبب قربه من الجماعة الإسلامية. وقد خاض القنصل المصري في لبنان هذه الحملة ضده، رغم وجود توافق بين رجال الدين حول شخصه. ويُشارك الحريري في هذا العزل بضغط مصري ــ سعودي. كما يعمل تيّار المستقبل على تضييق الساحة أمام هيئة العلماء المسلمين، رغم ارتفاع شعبيتها.

ويتهم مسؤولون في تيّار المستقبل الهيئة بتلقي الدعم من قطر، وأنها تميل إلى سياسة هذه الدولة. وقد أبلغ أحد مستشاري الحريري، أحدَ رجال الدين بوضوح، "لقد بدأت معركة كبيرة مع الهيئة لن تنتهِ إلا بتكسيرها تماماً، فسارع لحفظ رأسك مع آل الحريري".

2 ــ المستوى السياسي: عادت الحصرية السياسيّة على الساحة اللبنانية إلى آل الحريري، بعد كسر السعودية لهذه الحصريّة عام 2008. لم تتوضح بعد الأسباب التي دفعت بالسعوديّة إلى التراجع عن قرارها السابق. لكن، هذه الخطوة تحمّل الحريري مسؤوليّات أكبر على المستوى السياسي. فعليه أن يُتابع أكثر الحركة السياسيّة الداخليّة، بحيث تكون قرارته متوافقة مع خطاباته.

المشكلة الأبرز التي يُعاني منها جمهور تيّار المستقبل اليوم، هو حال الفصام بين مواقف التيار وشعاراته من جهة، والممارسة من جهة أخرى. فتيّار المستقبل عارض حكومة نجيب ميقاتي، "لأنها حكومة حزب الله"، ورفع شعار "عدم المشاركة في حكومة واحدة مع قتلة رفيق الحريري" في إشارة إلى حزب الله. لكن التيار عاد وشارك بحكومة مع حزب الله، وتنازل عن أمور كثيرة أخرى، منها أن وزير الداخلية نهاد المشنوق، وهو أحد صقور المستقبل، استقبل مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا، خلال اجتماع أمني رسميّ ضمّ رؤساء الأجهزة الأمنيّة.

كما أن المشنوق نفسه، قال إن مشاركة حزب الله في القتال في القلمون هي "لمنع السيارات المفخخة" من الدخول إلى لبنان، في حين كان موقف الحريري يشير إلى أنّ مشاركة حزب الله استجلبت السيارات المفخخة إلى لبنان.

كل ذلك من دون أن ننسى اتهام المشنوق بتغطية احتلال حزب الله والجيش السوري لبلدة الطفيل اللبنانيّة.

كما يشعر جمهور التيار، بفصام آخر على صعيد الشمال. يدعم تيّار المستقبل ويُغطي مجموعات مسلّحة، ويقول وزير العدل أشرف ريفي عن قادة المحاور إنهم "أبناؤنا". ثم يشن فرع المعلومات (يُعتبر جهازاً أمنياً قريباً من تيار المستقبل) حملة اعتقالات بحق هؤلاء، تحت عنوان الخطة الأمنية، لكنه يفشل في تطبيقها في البقاع بحسب اعتراف وزير الداخليّة. ثم يشن الجهاز حملة اعتقالات بحق عدد من الإسلاميين.

ويواجه تيار المستقبل مشكلة جديّة مع الجمهور الإسلامي في لبنان، كونه فشل حتى اللحظة في الدفع جدياً لحلّ "السيف القضائي المسلط على رؤوس هؤلاء"، بحسب ما تقول مصادر إسلامية.

فملف موقوفي "فتح الإسلام" لا يزال مفتوحاً من دون محاكمات منذ سبع سنوات، إلى جانب المماطلة في كثير من القضايا، أو افتعال قضايا أخرى؛ مثلاً، يُحاكم أحد رجال الدين في طرابلس مرة ثانية بالدعوى عينها التي صدر فيها حكم بحقه، وهو أمر غير قانوني، باعتراف وزيري العدل الحالي والسابق وغيرهما.

وعندما يطلب الرجل تدخل النائب سمير الجسر، وهو محامٍ ونائب عن تيار المستقبل في طرابلس، يأتي الرد "حلّ مشكلتك يكون عبر حزب الله".

لا يشعر كثيرون من أبناء الطائفة السنية بالانتماء إلى الدولة. فناهيك عن استفادة جزء منهم من الوظيفة العامة، فلا شيء يربطهم بها. ولا تنمية جديّة في مناطقهم، من الشمال إلى البقاع وصولاً إلى الجنوب. ولا مشاريع اقتصادية يشعر هؤلاء أنها تمثلهم. شركة "سوليدير" التي استلمت إعادة إعمار بيروت واحتكرت المشاريع فيها، هي مشروع آل الحريري، وليست لأبناء الطائفة السنية. كما أنّ البطالة وأعداد المهاجرين من السنّة في ارتفاع كبير.

في مقابل ذلك، يشعر سنة لبنان بالغربة عن بلدهم. الأسوأ أن شعور سنّة لبنان يتحوّل تدريجياً إلى شعور أقلويّ، إذ يغيب تدريجياً الشعور الأكثري الذي كان يتملّكهم، ويدفعهم لترديد عبارة "نحن أم الصبي"؛ وكان ينطلق هذا الأمر من كونهم "جزءاً من أمة، ولديهم عمق عربي"، لمصلحة شعور أقلوي، بدأ بالتبلور بعد احتلال بلدة يبرود في القلمون، وهو ما دفع بأحدهم إلى التساؤل، "هل يُريدون عزلنا عن عمقنا العربي وتحويلنا إلى انتحاريين؟".

تحديات كثيرة أمام سعد الحريري بحجم دول، وليس مجرد زعيم سياسي. لكن الواضح أن سنّة لبنان يدخلون حالة إحباط، وبات لديهم قضية، لكن بالمعنى السلبي للكلمة. إحباط قد يؤدي بهم إلى "داعش" و"النصرة"، على المدى الطويل إذا لم يُعالج الأمر.

المساهمون