تحالف الأضداد لمحاربة "داعش": لن نقاتل على الأرض

06 سبتمبر 2014
كيري في اجتماع حلف شمال الأطلسي أمس الجمعة
+ الخط -

انقضى اليوم الأول من قمة حلف شمال الأطلسي، التي عُقدت في مدينة نيوبورت البريطانية في مقاطعة ويلز، وكاد اليوم الثاني أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، قبل أن يلفظ زعماء العالم المجتمعون بأي حرف عن "الحلف الدولي" المزمع تشكيله لتبنّي استراتيجية لمواجهة "الإرهاب" المندلع في العراق وسورية.

في اليوم الأول، شهدت قاعة المؤتمر وكواليسه نقاشات عامة وعلنية، وأخرى ثنائية وسرية، تمحورت حول كيفية مواجهة تنظيم "داعش". خلف الأبواب المغلقة، انفرد الرئيس باراك أوباما برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لأكثر من 40 دقيقة. واجتمع أوباما مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في اجتماع مغلق حضرته مستشارة الأمن القومي الأميركية سوزان رايس، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، والمنسق في البيت الأبيض لقضايا الشرق الأوسط والخليج فيل غوردون.

على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أعلن عن تشكيل "تحالف دولي" ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والدنمارك وتركيا وبولندا وأستراليا وكندا، إلا أن مصادر أميركية في قمة الحلف، قالت إن أوباما يسعى الى تشكيل "تحالف دولي" تشارك فيه دول من حلف الأطلسي إلى جانب دول من منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً الأردن وتركيا والسعودية.

وكان كيري شديد الوضوح في قوله: "نحتاج إلى مهاجمتهم (داعش) بطرق تمنع سيطرتهم على الأراضي، ودعم الأجهزة الأمنية العراقية وأجهزة أخرى في المنطقة ممن هم مستعدون للانقضاض عليهم، وكل ذلك من دون زجّ قواتنا (البرية)، وهو ما علّقت عليه صحيفة "دايلي مايل" البريطانية بالقول إنه يحدد "خطاً أحمر" تتفق عليه الدول العشر مفاده: لن ننخرط بمعارك برية.

وكما تتفق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا على ضرورة التحرك لمواجهة "داعش" في أسرع وقت ممكن، فإن تلك الدول تتفق أيضاً على أن أي تحرك عسكري في العراق يحتاج أولاً الى استقرار سياسي في المؤسسات العراقية يبدأ بتشكيل حكومة عراقية جديدة تضم وتمثل جميع الأطياف السياسية والمذهبية في العراق. وتبدي الدول الكبرى في الحلف استعدادها للاستمرار بدعم الجيش العراقي عبر إمداد قواته وقوات البيشمركة الكردية بالسلاح، وتدريب عناصر هذه القوات.

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، صرح بأن الهدف الأساسي من القمة هو بناء استراتيجية دولية لمواجهة "داعش"، لكنه اردف أن الضربات الجوية لا ينبغي أن تشكل الا جزءاً من اي استراتيجية يجري التوافق عليها.

وأكد كاميرون أيضاً أن مشاركة بلاده في الحملة الجوية التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد قواعد "داعش" في العراق، مشروطة بأمرين اثنين: الأول مباشرة الحكومة العراقية الجديدة بأعمالها بعد تأليفها على أساس يمثل جميع أطياف المجتمع العراقي ومكوناته المذهبية. والشرط الثاني يتعلق بانضمام دول إقليمية محورية إلى التحالف الدولي، بما في ذلك الأردن وتركيا. واعتبر كاميرون أن هذين الشرطين أساسيان من اجل ضمان الدعم البرلماني والشعبي لمشاركة بريطانيا في أي مجهود عسكري.

الأمر الآخر الذي أكد عليه رئيس الوزراء البريطاني في أكثر من مقام، هو أن بريطانيا، التي لا تستبعد مشاركتها في الحملات الجوية في العراق الى جانب الولايات المتحدة خلال الأسابيع المقبلة، لا تفكر إطلاقاً في الذهاب بمشاركتها العسكرية الى حد التدخل العسكري البري.

كذلك أكد كاميرون أن القوات الجوية البريطانية التي قد تنضم الى العمليات الجوية في العراق، قد تنفذ عمليات داخل الأراضي السورية من دون أي تنسيق مع النظام السوري الذي "فقد شرعيته" منذ سنوات على حد تعبير كاميرون. ثم شدد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، في اليوم الثاني للقمة، على أن بريطانيا لم تلتزم بالمشاركة في أي ضربات جوية ضد تنظيم "الدولة" في العراق، "لكنها مازالت تبحث إمكانية التحرك عسكرياً ضد التنظيم".

هكذا، يظهر احتمال دفع أميركا جميع اللاعبين في المنطقة، الى تجاوز حدود الجغرافيا والأيديولوجية والأحلاف التقليدية، والاصطفاف معاً في الحلف المقرر، مثل إيران والسعودية، وتركيا مع الأكراد. حتى أن الولايات المتحدة وروسيا قد تقفان جنباً إلى جنب لمجابهة "داعش". هذه المعادلة، المعقدة والمركبة، تفرض على الإدارة الأميركية، التي اتخذت على عاتقها تأسيس حلف دولي لمحاربة "داعش"، توظيف كل أدوات الدبلوماسية "الناعمة" العلنية والسرية، من أجل جمع كل الأطراف والدول والتنظيمات، من إيران والسعودية وروسيا وطبعاً إسرائيل، الى حزب العمال الكردستاني، وربما "جبهة النصرة" وحزب الله وسورية... من أعداء وأصدقاء في حلف لا يصح أن يسمى إلا حلف "الأعدقاء".

ولا يرى مسؤولون أميركيون، حاليون وسابقون، ومنهم زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، ضرراً في اللجوء الى مثل هذا الخيار، حتى وإن كان التوفيق بين كل هذه الأطراف، مع كل ما بينهم من علاقات عدائية مريرة، ليس بالمهمة البسيطة.

غير أن المراقبين يرجحون أن تواجه الإدارة الأميركية تحديين صعبين في إدارة هذا التحالف من "الاعدقاء": الأول هو صعوبة الحفاظ على هذه التحالف لفترة طويلة من الزمن، لأن هذا النوع من التحالفات يشبه تشييد بناء باستخدام "الصمغ" بدلاً من "الاسمنت"، إذ سرعان ما تتخلله التصدعات بسبب تناقضات وتعارض المصالح والغايات. الأمر الآخر في مثل هذه التحالفات، هو أن بعض الأطراف قد تكون أكثر ميلا الى العلانية في عقد الصفقات، في حين تفضل أخرى السرية.