تجديد العقوبات الأميركية على إيران: سياسة بلا بوصلة

تجديد العقوبات الأميركية على إيران كالانسحاب من الاتفاق: سياسة بلا بوصلة

07 اغسطس 2018
واشنطن لم تضمن شراكة دولية لفرض العقوبات(سول لويب/فرانس برس)
+ الخط -

قدّم ثلاثة من كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية عرضاً للحيثيات التي اعتمدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب لتجديد العقوبات على إيران، والتي بدأ سريانها اليوم الثلاثاء.

وجرياً على العادة في مثل هذا التمهيد، أعقبت العرض جولةُ أسئلة وأجوبة مع الصحافة عبر الهاتف حول الموضوع. 

وفي حصيلة التداول، بدا أن الحيثيات ليست أكثر من رغبات، فمحاولة تسويق العقوبات اتسمت بقدر ملحوظ من الركاكة والارتباك، تماما كما سبق وبدا أصلها الذي أدى إليها، والذي تمثل في انسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي. 

يومذاك، أثار قرار الرئيس موجة عارمة من الاعتراضات والتحذيرات، لكن البيت الأبيض مضى فيه وفاء لوعد انتخابي لا أكثر، وضرب بكافة التحذيرات عرض الحائط، ومنها ما صدر عن الجمهوريين، واستمر في فسخ الاتفاق الذي لا تكلفة سياسية محلية له. 

ذلك القرار الأصلي جرّ إلى إجراء فرعي بفرض العقوبات التي يستبعد كثيرون من خبراء السياسة الخارجية، أمثال ماكس بووت وريتشارد هاس، من مجلس العلاقات الخارجية، أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية ملموسة، لأنها مبنية على تسرع، من جهة، وتفتقر إلى مساندة تحالف واسع وصلب كما كان عليه الأمر قبل الاتفاق النووي من جهة ثانية. 

وحتى وزارة الخارجية كانت مرتبكة في تسويغها العقوبات التي تتناول "شراء الدولار وتجارة الذهب والمعادن الثمينة والصلب والألمنيوم والبرمجيات وغيرها". فالمسؤولون الثلاثة طغى السرد أكثر من التعليل وتحديد الغرض على مطالعتهم، كما أسهبوا في التعبير عن "الحرص على مصالح الشعب الإيراني"، و"تحسين ظروفه وحماية حقوقه الإنسانية" وأمواله "المهدورة" في الداخل والمنطقة.





كما شددوا على دور إيران "الشرير" في الجوار، وتوعدوا بأن تكون الوجبة الثانية التي ستتناول "قطاعي الطاقة والمصارف" في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل أشد أذى وضررا للاقتصاد الإيراني، وبما "يصيبه بالشلل".

وعند التدقيق في التفاصيل، بقيت الشروحات في العموميات، فالإدارة لم تضمن حتى الآن شراكة دولية وازنة في فرض العقوبات، وقال المسؤولون الأميركيون إن المساعي ما زالت "جارية وبصورة حازمة لإيجاد تحالف فعال"، مع التلويح بمعاقبة الدول التي لا تلتزم. 

ولا يشمل هذا التشدد المزعوم الصين التي يسود الاعتقاد بأنها تعتزم عدم التقيد بعقوبات واشنطن، ومع ذلك تجاهلت الخارجية مخاطبتها بلغة التحذير من العواقب. 

كذلك، تجاهلت شمول الهند التي تزمع مواصلة شراء النفط الإيراني، وأيضاً بلدان الاتحاد الأوروبي التي يبدو أنها موعودة ببعض الإعفاءات. 

من جهة أخرى، تقول الخارجية الأميركية إن الإدارة "لا تريد منح إعفاءات"، وفي الوقت ذاته تؤكد أنها تعمل على النظر في كل حالة أوروبية "على حدة"، وأنها لا تفصح عن مباحثاتها مع البلدان المعنية بهذا الشأن، ما يعني أن استثناء بعض الشركات أمر وارد، ولو أن "أكثر من مائة شركة أوروبية قلّصت أعمالها في إيران".

ولا جدال في أوساط الخبراء بأن العقوبات من شأنها أن تفاقم صعوبات الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلاً من ارتفاع البطالة والتضخم وهبوط الريال، لكن في المقابل يسود الاعتقاد بأنه من الصعب أن تؤدي العودة إلى العقوبات إلى تحقيق أغراضها، وعلى رأسها حمل طهران على الدخول في مفاوضات جديدة حول النووي.

ثم إن العقوبات "مخروقة مسبقاً"، وإيران تفاوضت وتوصلت إلى اتفاق يحظى بدعم دولي واسع، ولذلك تتوسع دائرة التخوف من تطور لعبة العض على الأصابع، حيث تشير الدلائل الأولية إلى "تزايد احتمالات المصادمة" بين واشنطن وطهران في المدى القريب، بحسب أول تعليق صدر أمس عن مؤسسة "ميدل إيست آنستيتيوت" للدراسات في واشنطن، وهو احتمال غير مستبعد على مستوى الاحتكاك وليس المواجهة الشاملة، في ضوء التوتر الذي تشهده مياه مضيق هرمز.

المساهمون