تجديد اعتقال رائد صلاح: عيّنة لأوضاع الفلسطينيين في الداخل

تجديد اعتقال رائد صلاح: عيّنة لأوضاع الفلسطينيين في الداخل

17 اغسطس 2017
يُتوقع تمديد اعتقال الشيخ صلاح (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -
من المقرر أن تنظر المحكمة الإسرائيلية، اليوم الخميس، بتمديد اعتقال رئيس "الحركة الإسلامية" المحظورة، الشيخ رائد صلاح، بعد أن تم اعتقاله، فجر الثلاثاء، في حملة مداهمة نفذتها قوات كبيرة، بشكل مقصود، لأنه كان بمقدور الشرطة طلب واستدعاء الشيخ صلاح والتحقيق معه واعتقاله. إلا أن حملة المداهمة وما رافقها من تفتيش للبيت، قصد الاحتلال منها توجيه رسالة واضحة للفلسطينيين في الداخل ببوادر العودة لأساليب الحكم العسكري، والضبط الأمني، وانتهاء فترة "الرخاء" أو المهادنة الأمنية نسبياً، علماً أنه لم يكن قد مضى على تحرير الشيخ صلاح من السجن أكثر من شهر ونصف شهر.

لكن الاعتقال الأخير للشيخ صلاح، خلافاً للاعتقالات السابقة، لم يكن مفاجئاً هذه المرة، بل يمكن القول إنه تأخر بعض الوقت، بعد أن كان وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، دعا إلى طرده من الوطن، فيما تحدث وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، عن احتمالات اعتقاله إدارياً، ناهيك عن دعوات لسحب الجنسية منه. وتُشكّل الدعوات لسحب الجنسية، مؤشراً خطيراً، لا سيما أنها تأتي بعد إعلان وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، قبل أسابيع معدودة عن بدء إجراءات سحب الجنسية عن المفكر العربي عزمي بشارة، وأسبوعين من قرار فعلي بسحب الجنسية عن المواطن الفلسطيني علاء زيود من مدينة أم الفحم بحجة تنفيذه عملية دهس قرب بلدة غان شموئيل العام الماضي.

وإذا كانت هذه الأحداث والمؤشرات حول اتجاه حكومة الاحتلال تحت قيادة بنيامين نتنياهو، تشكّل ترجمة فعلية للتحريض الدموي المتكرر ضد الفلسطينيين في إسرائيل، ومنتخبيهم في البرلمان، والقيادات الشعبية والوطنية غير الممثلة في البرلمان، وفي مقدمتها الشيخ صلاح، ورئيس بلدية أم الفحم سابقاً سليمان إغبارية، ومجموعة من أنصار وأعضاء "الحركة الإسلامية"، فإن قيام ليبرمان أخيراً بتوقيع أوامر اعتقال إداري لخمسة مواطنين عرب من الداخل، يشكّل إعلاناً لتكريس التوجّه الأمني في التعامل مع الفلسطينيين في الداخل، خصوصاً إذا كانوا من غير المنخرطين في النشاط السياسي المعلن أو في أحزاب وحركات سياسية علنية، سواء تُشارك في الانتخابات البرلمانية أم لا.

ومن اللافت في هذا السياق أن "الحرب" على المسجد الأقصى، إذا جاز التعبير، لم تتوقف حتى قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، إذ إن حكومة الاحتلال تقوم حتى بعد حظر "الحركة الإسلامية" بقيادة صلاح، بملاحقة نشطاء هذه الحركة، ومنعهم ليس فقط من التوجّه إلى القدس المحتلة والمسجد الأقصى، بل بتلفيق تهم أمنية لهم، واعتقال متواصل، في ما يُعرف بملف عشاق الأقصى، على خلفية نشاطهم في حركات المرابطين وفي تنظيم حافلات شد الرحال إلى المسجد الأقصى.

ويمكن في هذا السياق أيضاً، اعتبار اعتقال الشيخ صلاح مرتبطاً بالعبر التي سعى الاحتلال لاستخلاصها من أزمة "البوابات الالكترونية" في الأقصى، فقد نصحت مذكرة إسرائيلية صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي، في هذا السياق، بتعزيز التنسيق مع الأردن، والسعي في موازاة ذلك إلى إيجاد تعاون مع قيادات إسلامية "معتدلة"، مقابل المضي قدماً في محاربة "نفوذ قطر وتركيا والحركة الإسلامية".


ومع أن اعتقال صلاح، مرتبط بمسألة القدس والأقصى حصرياً، إلا أن نشاط صلاح وحركته كان مصدر قلق شديد لسلطات الاحتلال، خصوصاً بعد أن تمكّنت الحركة عبر حافلات "البيارق" من شد الرحال إلى الأقصى، من تعويض المدينة المقدسة من غياب فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، بآلاف من الفلسطينيين المسلمين من الداخل ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية رسمياً ولا يمكن صدهم أو التعامل معهم بالمفهوم أو الإجراءات نفسها التي يتّبعها الاحتلال حتى مع سكان القرى والأحياء العربية التي تم ضمها لمدينة القدس.

ويمكن اليوم ملاحظة اتجاه الاحتلال، أيضاً خلال أزمة البوابات أخيراً، إلى المسارعة أولاً إلى سد الطرق أمام حافلات تقل مسلمين من الداخل، وإصدار أوامر إبعاد عن المدينة لمن تشتبه الحكومة الإسرائيلية أنهم مرتبطون بحركة صلاح، أو قادرون على رفد القدس بعشرات إن لم يكن مئات المصلين. وأظهرت تطورات الأحداث في العامين الماضيين، أن حظر "الحركة الإسلامية"، لم يؤدِ بشكل مباشر إلى وقف شد الرحال إلى القدس المحتلة، وهو ما تداركته حكومة الاحتلال أخيراً عبر اعتراضها المتواصل حافلات منظّمة تحمل المصلين إلى المسجد الأقصى، وفي طريقهم للأقصى يضخون بعضاً من الدعم المادي لاقتصاد المدينة.

أغلب الظن أن يتم تمديد اعتقال الشيخ صلاح، فالتهم جاهزة، وهي تؤخذ من كل خطبة من خطبه، خصوصاً تلك المتعلقة بالمسجد الأقصى. لكن يبقى السؤال الأهم هو ما الذي تخبئه الحكومة الإسرائيلية الحالية في اتجاهها نحو استعادة بارزة ومعلنة للمنظور الأمني في التعامل مع فلسطينيي الداخل؟ هو سؤال يكتسب أهمية بالنظر لكمّ التشريعات العنصرية التي تطاول ليس فقط حرية التعبير عن الرأي، بل أيضاً قيوداً على تنظيم نشاطات فلسطينية في المناسبات الوطنية، وآخرها القيود على حظر إحياء النكبة، أو تجريم كل نشاط يعتبر "يوم استقلال" إسرائيل نكبة، وصولاً إلى تجريم العمل السياسي الفلسطيني في الداخل، ومحاولة هندسة المتاح والممنوع حتى في سياق التصريحات السياسية للنواب العرب في الكنيست، كما جرى في أكثر من مناسبة مع النائبة حنين الزعبي (عن التجمّع الوطني)، وباسل غطاس. وجرى ذلك سواء بعد مشاركة الاثنين، كل على حده، في أساطيل بحرية حاولت كسر الحصار المفروض على غزة، أم إثر تصريحات لهما بشأن حق مقاومة الاحتلال ورفض اعتبار اختطاف المستوطنين الثلاثة في يونيو/حزيران 2014 عملاً إرهابياً (وفق الزعبي)، أم عند دعوة غطاس إلى عدم المشاركة في جنازة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، والتذكير بأنه كان شريكاً في كل الجرائم التي ارتُكبت بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.