تجاذبات تونسية في ظل أزمة كورونا

تجاذبات تونسية في ظل أزمة كورونا

27 مارس 2020
+ الخط -
ربما لم تعرف تونس أزمة بحجم الأزمة الحالية المترتبة على تفشي فيروس كورونا. وأكيد أن هذا الوضع ليس خاصا بتونس باعتبار أن الحالة الوبائية قد عمّت جنبات المعمورة وخلفت أضرارا واسعة ولا تزال، غير أن بداية انتشار المرض في تونس ترافقت مع وضع سياسي واقتصادي صعب.
بعد الأشهر الضائعة في الصراع السياسي، شهدت فشل حكومة الحبيب الجملي التي عجزت عن نيل ثقة البرلمان، احتاج الوضع السياسي التونسي إلى نحو أربعة أشهر لترى حكومة إلياس الفخفاخ النور، وفي هذه الأثناء، لم تتخذ حكومة تصريف الأعمال، برئاسة يوسف الشاهد، أي إجراءات احترازية استعدادا لوصول الوباء، مع أن الفيروس بدأ في الانتشار خارج حدود الصين منذ تم الإعلان عنه في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وكان وصوله إلى المناطق البعيدة، بما فيها تونس، مسألة وقت فحسب.
ظلت عيون التونسيين تتابع جدل السياسة وصراع المواقع بين الأحزاب ورئيس الدولة ورئيس البرلمان، فيما كان المرض يتسلل تدريجيا إلى الحدود التونسية، خصوصا مع بداية ظهور الحالات الأولى في إيطاليا ثم فرنسا، وفي البلدين جاليات تونسية غفيرة.
نالت حكومة إلياس الفخفاخ ثقة البرلمان يوم 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، وركّز بيان رئيس الحكومة وقتها على قضايا اعتبرها ذات أولوية، وتشمل خصوصا مقاومة الجريمة المنظمة، والتصدّي لغلاء الأسعار والاحتكار والغش وتحسين مستوى العيش، إلى جانب إنعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد والحد من التضخم وزيادة إنتاج الفوسفات. ولم يذكر، في خطابه، كلمة واحدة عن الاستعداد للحالة الوبائية التي بدأت تطل على البلاد. وبعد ثلاثة أيام فحسب من تشكل الحكومة، في 2 مارس/ آذار، أعلنت وزارة الصحة التونسية عن تسجيل أول إصابة فعلية بفيروس كورونا المستجد لتونسي قادم من إيطاليا.
لم تكن الحكومة مستعدةً فعليا لمواجهة الجائحة، بل وتعاملت مع الظاهرة بنوع من التهوين، 
خصوصا أن بيانات وزارة الصحة ظلت تركز على الطمأنة، وتؤكد دوريا أن الوضع تحت السيطرة. ومع تصاعد الإصابات، وإنْ بصورة تدريجية، أعلن البرلمان، يوم 16 مارس/ آذار الحالي، بعد اجتماع الكتل البرلمانية عن مطالب على الحكومة تنفيذها، وكانت تتلخص في غلق الحدود البحرية والجوية والبرية، واتخاذ إجراءات حازمة للوقاية من انتشار الوباء، إلا أن حالة التجاذب مع رئاسة الجمهورية التي اعتبرت بيان المجلس تجاوزا لصلاحياته جعلت اتخاذ هذه الإجراءات العاجلة تتأخر، في ظل تسارع الأزمة التي ينشرها الوباء، فقد أعلن رئيس الجمهورية عن فرض حظر للتجوال ليلا يوم 18 الشهر الحالي (مارس/ آذار)، ولم يكن للقرار من أهمية تذكر في ظل استمرار التجمعات البشرية الكبرى نهارا، ولأن منع التجوال الليلي لا يؤثر سوى على قلةٍ من السكان. وظل الوضع على ما هو عليه، على الرغم من تسارع الكشف عن الإصابات الجديدة، وبداية الحديث عن الانتشار الأفقي للمرض. وفي 21 مارس، أعلن رئيس الحكومة عن جملة من الإجراءات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، للحد من آثار الفيروس على الحياة اليومية للتونسيين، خصوصا بعد التأكيد على فرض الحجر الصحي العام. وكانت المشكلة الأساسية التي تعترض تنفيذ الإجراءات الحكومية عدم التزام جزء من الشارع التونسي بأوامر الحجر والخضوع لإجراءات الوقاية، فقد تصرف وافدون من دول موبوءة بنوع من الاستهتار بالعزل الصحي الذاتي، الأمر الذي ما زاد في تأزم الوضع العام في ظل عجز السلطات الصحية عن استيعاب المنحنى التصاعدي للإصابات.
لا يمكن إنكار أن تونس من الدول العربية القليلة التي حاولت ضبط انتشار الجائحة الوبائية، عبر خطوات وقائية اتخذتها وزارة الصحة، إلا أن غياب الخبرة في إدارة الأزمات لدى رئيسي الحكومة والدولة جعل القرارات مرتبكة أحيانا، بل ومتناقضة أو متأخرة، فلم يكن من الضروري اتخاذ قرار حظر التجوال الليلي، وكان من الأجدى المرور إلى الحجر الصحي العام من البداية. كما تأخرت السلطات في اتخاذ القرار في إيقاف الرحلات من إيطاليا وفرنسا، والتي استمرت إلى 15 مارس. والأسوأ من هذا أن عمليات الإجلاء التي قامت بها السلطات من دون استعداد لوجستي من خلال تهيئة مواقع للعزل الصحي، أحدثت حالات من الاضطراب في المطار وردود أفعال سلبية في الشارع.
الأكيد أن الأزمة الحالية معقدة وصعبة، وعجزت أمامها دول ذات إمكانات ضخمة، وليس منتظرا أن تستطيع الدولة التونسية أن تتفوق على غيرها. ولكن يمكن القول إنه كان في الوسع الإسراع في اتخاذ الإجراءات الوقائية بشكل مبكّر، وتهيئة الشارع للوضع الاستثنائي، لولا الشهور التي ضاعت في التجاذب السياسي.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.