تابو

تابو

10 سبتمبر 2017
التطرق للصحة النفسية ضرورة بين اللاجئين (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

اجتمعت مجموعة من الرجال من اللاجئين السوريين إلى لبنان في ورشة عمل حملت عنوان "إدارة الغضب والتوتر". شارك الرجال خلال يومين من العمل الكثير من الانفعالات واستطاعوا تسمية المثيرات التي تسبب الضغوطات الحياتية التي يعيشونها في ظل النزوح وردّات فعلهم عليها. ليس في هذا الأمر أي جديد. لكن اللافت أن الرجال خلال الجلسة الختامية، حين سئلوا عن رأيهم بالورشة، أجابوا، إنهم بحاجة ماسة إلى تدخلات مماثلة تتناول "سيكولوجية" الرجال في ظل النزوح. لكنهم لو عرفوا أن الورشة سوف تتناول هذه الأمور، ما كانوا سيشاركون فيها من الأساس. بكلمات أخرى، أشار الرجال إلى أنه تمت دعوتهم إلى ورشة عمل بشكل عام ولم يعرفوا تماماً أنها عن الدعم النفس-اجتماعي.

تشير هذه الحادثة إلى "ترند" في لبنان حول كيفية التعاطي الشعبي بين النساء والرجال عموماً مع المرض النفسي ومسبباته وأعراضه. ينقسم الواقع هنا بين مستويين، يتمثّل الأول بارتفاع كبير في الوعي العام ضمن أوساط الفاعلين والناشطين في المجتمع المدني حول ضرورة التطرق إلى قضايا الصحة النفسية والنفس ــ اجتماعية سيما في أوساط اللاجئين والبيئات المضيفة. هذا الوعي المرتبط أصلاً بالتمويل وبالاهتمام الدولي بهذا الأمر. ويقابله مستوى آخر من الوعي المتواضع ضمن المجتمعات المحلية من النساء والرجال لآثار الأزمة وأبعادها النفسية والنفس ــ اجتماعية وتالياً مدى استجابتهم وتجاوبهم لهذه البرامج المختلفة.

لا تزال العديد من المجتمعات المحلية سواءً في أوساط اللاجئين أو ضمن البيئات المضيفة في المناطق الريفية اللبنانية، تتعامل مع أعراض الأمراض النفسية بكثير من النكران والخجل، هذا إذا كان ثمة وعي بوجودها أصلاً. الضيق والقلق في أوساط الكثير من الشبان في القرى، وانتشار المخدرات بين الشبان (والشابات) في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وارتفاع معدلات الانتحار في لبنان (والتي تصل الى حد 2.7 حالات أسبوعياً بحسب الإحصاءات الرسمية) كلها مؤشرات دالة على وجود مشكلة تتمثل خطورتها بأمرين. الأول عدد حالات الأعراض النفسية في لبنان، والذي لا توجد أرقام رسمية حوله، وإن كانت الأرقام الرسمية تشير إلى أن ربع اللبنانيين قد عاشوا مشكلة نفسية في حياتهم. أما الأمر الثاني والأكثر خطورة، فيتمثل في عدم الوعي بالمشكلة من الأساس. ولعل ارتفاع نسبة العنف ضد النساء والفتيات في السنوات الخمس الأخيرة قد يكون أحد أشكال التعبير عن تداخل العوامل الخارجية الضاغطة وتفاعلها مع المنظومة القيمية والثقافية الناظمة لنظرة الرجل إلى "رجوليته" وإلى "أنوثة زوجته" في تفاعلها مع إدراك النساء لكل منهما.

تبحث الجمعيات حالياً في لبنان في العلاقة السببية بين المرض النفسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء. من يسبب الآخر وكيف يتفاقم الأمر إذا تفاقم أحد طرفي هذه المعادلة؟ ليبقى أساس البحث ربما كشف العلاقة المطردة بين العوارض النفسية والسياقات الجندرية في مجتمعاتنا، مع التركيز على السبب الذي يبقى الحديث عن هذه العوارض معه، تابو في مجتمعاتنا.

*ناشطة نسوية

المساهمون