تأثير متبادل في الجزائر

19 أكتوبر 2014
+ الخط -

شكل الإعلان عن اختطاف المواطن الفرنسي، هيرفي غورديل، ثم إعدامه من مجموعة متشددة، أبرز تطور أمني استعراضي، تشهده الجزائر، منذ حادثة مقتل الرهائن الأجانب في مجمع تيغنتورين للغاز الطبيعي، في عين أمناس في بداية السنة الماضية. الحادث تبنته مجموعة مجهولة، تقول عن نفسها إنها تابعة لـ"الدولة الإسلامية"، وتدّعي امتداد نشاط هذا التنظيم إلى شمال إفريقيا، بعد دول الشرق الأوسط. وإن كان متعذراً إثبات صحة هذه المزاعم، فإن الوضع الأمني في الجزائر طالما تأثر، بشكل كبير، بما يحدث في الجوارين القريب والبعيد. وبما أن تنظيم "الدولة" أصبح مركز الاهتمام الدولي والإقليمي، فالمتوقع أن يكون للجزائر نصيب من الموجات الارتدادية لزلزال داعش، باعتبارها جزءاً رئيسياً من الفضاء الأورومتوسطي والمغاربي، ونقطة ارتكاز لمصالح دول كبرى، مثل فرنسا، وشريكاً استراتيجياً أمنياً واقتصادياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة في مسائل دعم الاستقرار. وتتعلق أشكال التأثر بهذه الارتدادات بخلفيات الواقع الجزائري، في المجالين الأمني والسياسي.
 
إذ على الرغم من الاستقرار الذي يعم الجزائر، في السنوات الأخيرة، إلا أن الانهيارات الأمنية تقع بين حين وآخر، لتؤكد أن نشاط المجموعات المسلحة لم ينته كلياً، وهو مرشح للتصاعد في أي وقت، إذا ما توفرت العوامل المساعدة له، والتي قد تؤدي إلى إعادة إنتاج صورة دموية شبيهة بمآسي العشرية السوداء، وهذا التهديد كاف ليشكل ضغوطاً إضافية على سياسات النظام الحاكم في التعامل مع الاضطرابات القائمة على حدوده الشرقية والجنوبية، مع ليبيا وتونس ودول الساحل الإفريقي. وستجعل من السيادة، أو الخصوصية الجزائرية، في موقف ضعيف أمام الدبلوماسية الواقعية المحركة للعلاقات الدولية، في وقتٍ لا يبدو الوضع السياسي الداخلي فيه صحياً بالشكل المناسب، للتجند في مواجهة خطر التطرف.
 
إن نجاح السلطة في لجم مطالب التغيير الجدي، منذ إلغاء المسار الانتخابي في التسعينات، ثم تمكنها من إخماد وتيرة العمل المسلح الذي أعقبه، لم يمكنها من تفادي مسلسل التحديات المستمرة على الاستقرار بشكل عام، وعلى التوازنات في داخل منظومة الحكم. بقاء أشخاص لديهم فكرة حمل السلاح ضد الدولة، والقيام بأعمال عنف، هو إما علامة على فشل سياسة المصالحة أو الاستيعاب، إذ إنها تفتقد لأهم عنصرين في معالجة تداعيات الحروب الأهلية، العدالة الانتقالية وقول الحقيقة والمصارحة، أو إشارة على غياب دولة المؤسسات، واستبدالها بنموذج شمولي، يرتكز على الولاء الشخصي أو العرقي الجهوي، لحماية مصالح أقلية مهيمنة، تستحوذ على القرار، وتفرض أجندتها على ما يفترض أنه مؤسسات مستقلة ومهنية، مثل الجيش الذي يؤدي أفراده مسؤوليتهم في تحقيق الأمن، لكن نتائج جهودهم تبقى هشة، بالنظر لغياب الإرادة العليا الفاعلة في استغلال قابلية تحقيق الاستقرار، نحو تكريسه حالة دائمة. لأن السلطة لا تريد استقراراً نهائياً، يفضي إلى تجديد أساليب الحكم، فهي تستغله شعاراً لترويج سياساتها في الأوساط الشعبية، وتستفيد منه، جزئياً، في إبعاد الأخطار الكبرى إذا فقدت السيطرة على الأمور، مثل ما حدث في تجربة العشرية السوداء، لكنها مستعدة لخوض مقامرة التغاضي عن جزء من احتمال التدهور، لتبقى الساحة مفتوحة أمام صراع التوازنات بين أركان النظام الكفيل بابقاء الحيوية في جسد السلطة، المصاب بداء الشيخوخة.
 
تتكون المعادلة الجزائرية من ثلاثة حدود. مارد التطرف، والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، والضغط الأجنبي. وقد لا يكون من قبيل المصادفات أن تكون جغرافيا العمليات التي يقوم بها المتطرفون متوافقة تماماً مع بيئات مشبعة بتلك العوامل. ومن الواضح أن الاختلال في المعادلة سيؤدي إلى انكسارات أمنية وسياسية، وينشأ هذا الاختلال عندما تتضخم أنانية السلطة في تغليب حدها على مراعاة الحدود الأخرى. أما الحل الأمثل للإبقاء على معادلة ثابتة وموزونة يكمن في تحقيق انتقال سياسي ديموقراطي توافقي، يلغي الحمل الثقيل الذي تفرضه الأجندة الداخلية، وتغطي به على بقية الإشكاليات.

المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل