بيوت فارغة

بيوت فارغة

30 ديسمبر 2019
حلم امتلاك منزل شبه مستحيل في لبنان(نوي فالك نيلسن/Getty)
+ الخط -
يقول الخبر إنّ اليابان تعيش أزمة عقارية حقيقية تتمثل في توافر بيوت أكثر من طلب السكان على العيش فيها بسبب بلوغ أعمار 20 في المائة من سكان البلاد 70 عاماً فأكثر، وتراجع معدل المواليد.

لا شكّ أنّ مشاكل اليابانيين مختلفة جداً عن مشاكل عدد كبير من الشعوب حول العالم، لكنّ هذه المشكلة بالذات تحمل صورة سوريالية ساخرة بالنسبة لمواطنين من الطبقة الوسطى فما دون، في معظم الدول العربية حيث يبحث الفرد عن شقة صغيرة لا تتعدى مساحتها 90 متراً مربعاً، ولا يتمكن من ذلك بسبب عدم قدرته على دفع ثمنها. وإذا تمكن من ذلك من خلال برامج التقسيط عبر المصارف، أو تلك المدعومة من الدولة فإنّه سيتحمل أقساطاً تصل إلى عشرين عاماً وثلاثين فتقتطع من راتبه الذي يفترض أن يوفر له الحاجات الأساسية قبل أن نتحدث عن الرفاهية. يتعدى الأمر ذلك، فمن يرتضي بالتقسيط ويراهن على إمكانية تحمل تلك الأقساط في سبيل الشقة - وليس البيت- الموعودة، فإنّه يجابَه برفض طلبه من المصرف في أحيان كثيرة لمشاكل مختلفة منها ما يتعلق براتبه أو بسنّه، بل إنّ بلداً مثل لبنان يحاصر المواطن ويحصر خياراته كثيراً إلى حدّ الإعلان عن إفلاس برامج الإسكان أخيراً.

كلّ هذا يأتي فيما يستمر العرف الشعبي والعادات الاجتماعية ومعهما النظام الذكوري، في ربط تأمين هذا السكن بالشاب المقبل على الزواج من دون الفتاة، مع ما في ذلك من تحميله فوق طاقته بأضعاف. وحتى عندما يتوافق شاب وفتاة على الزواج وتوفير تلك الشقة الموعودة معاً، فإنّ ذلك النظام الذكوري يجعل تضحية الشاب أكبر كونه ببساطة يتقاضى في معظم الأحيان راتباً يتجاوز راتبها، وإن كانا مؤهلين التأهيل نفسه ويملكان الخبرة نفسها، في استغلال اقتصادي نمطي لعمل المرأة في نظام السوق غير المحميّ. وكلّ هذا يأتي فيما يستمر أهل العروس المحتملة في الاشتراط على العريس المحتمل أن يؤمّن تلك الشقة الموعودة، ما يشكل عائقاً حقيقياً يزيد سنّ الزواج لدى الجنسين في أحيان كثيرة.




في واجهة العاصمة اللبنانية بيروت، وفي وسطها الذي يشهد منذ أكثر من شهرين انتفاضة مطلبية أساسها الشباب، مبانٍ عملاقة، يتجاوز سعر الشقة الواحدة فيها 5 ملايين دولار. هذا الرقم خيالي طبعاً، لكنّ الأكثر خطورة والذي يربطنا بأزمة اليابان، أنّ كثيراً من تلك الشقق فارغ. هي ملك لأشخاص محدودين يملكون كلّ شيء تقريباً في البلاد، بينما لا يملك معظم اللبنانيين إلا القليل. وفي الوقت الذي تعاني فيه اليابان من تراجع في أعداد المواليد، فإنّ العكس حاصل في بلادنا المنكوبة بعدم احترام حقوق هؤلاء المواليد، ومن ضمنها الحق في سكن لائق.

دلالات

المساهمون