بين عاصفة السلام الليبية وعاصفة الحزم اليمنية

بين عاصفة السلام الليبية وعاصفة الحزم اليمنية

10 مايو 2020
+ الخط -
يبدو التشابه في الشكل فقط، لا المضمون، بين حملة عاصفة السلام، العسكرية، التي أطلقتها الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا، بدعم تركي، ضد الانقلابي خليفة حفتر ومليشياته، وحملة عاصفة الحزم، العسكرية، التي أطلقتها قبل خمس سنوات السعودية والإمارات لدعم الحكومة الشرعية في اليمن ضد الانقلاب الحوثي المدعوم من فلول نظام علي عبد الله صالح الذي أسقطته الثورة اليمنية، متيحة للحوثيين، ولأول مرة، فرصة المشاركة الندّية مع القوى الأخرى لإدارة حاضر البلد ورسم معالم مستقبله. 
يبدو التشابه في الشكل والاسم فقط، ذلك أننا في الحالتين، اليمنية والليبية، أمام عملية عسكرية قادتها ميدانياً الحكومة الشرعية بدعم خارجي ضد تمرّد محلي تجاوز التفاهمات المحلية والقرارات الدولية ذات الصلة. أما في المضمون فالفرق شاسع جداً بين عملية ناجحة في ليبيا حققت نتائج باهرة خلال شهر، وعملية متعثرة في اليمن ضلّت طريقها سنوات وباتت أقرب إلى جريمة الحرب المستمرة ضد الشعب اليمني، المفترض أنها هدفت إلى حمايته ومساعدته.
مضموناً؛ أطلقت السعودية والإمارات (تحت إطار التحالف العربي) "عاصفة الحزم" ضد انقلاب الحشد الحوثي وفلول النظام الساقط على الحكومة الشرعية ومخرجات الحوار الوطني الدستورية التوافقية والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وللمفارقة، دعمت الرياض وأبوظبي الانقلاب على الحكومة الشرعية من خلال ما يسمونها في اليمن "خلية دبي" التي ضمّت مسؤولين أمنيين من البلدين لإفشال الثورة وإعادة تحديث النظام الساقط، والقضاء على تيار الإسلام السياسي ممثلاً بحزب التجمع اليمني للإصلاح وتحالفاته القبلية. بينما جاءت العاصفة العسكرية ردّاً على تجاوز الانقلاب الخطوط المرسومة له واتجاهه إلى السيطرة على عدن والبلد كله، والقضاء على المكوّنات السياسية كلها، وليس التيار الإسلامي فقط.
تمتعت "عاصفة الحزم" بدعم عربي إسلامي كبير، بما في ذلك تركيا، لعدالة منطلقاتها وأهدافها، كما تمتعت بدعم دولي علني مماثل، واستمر تدفق السلاح عليها حتى بعد انحرافها عن طريقها، 
غير أن العملية عانت من مشكلات بنيوية جعلتها قاصرة بالضرورة عن تحقيق أهدافها المعلنة. وببساطة، الرياض وأبوظبي عاجزتان عن القضاء على انقلابٍ دعمتاه سياسياً، وحتى عسكرياً، ثم إنهما لا تملكان بصيرة أو رؤية وقدرة على تأسيس، أو المساعدة في تأسيس، دولة حديثة وديمقراطية لكل مواطنيها تجسيداً لأهداف الثورة اليمنية، هذا إضافة إلى التحاق الرياض بأبوظبي التي تفرّدت عملياً بإدارة العملية، ورسم معالمها الرئيسية، علماً أن الأخيرة موتورة ومهووسة بمعاداة الثورات والتيار الإسلامي، وسعت إلى إقصاء حزب الإصلاح من العملية، بعدما تجاوز بنجاح ومن دون خسائر كمين انقلاب الحشد الحوثي والفلول. ومعلوم طبعاً أن التيار الإسلامي في اليمن "والعالم العربي" هو التيار السياسي المركزي، ولا يمكن تجاوزه في أي عملية سياسية فعالة ناجحة وذات مغزى، ولذلك تلاشت العاصفة الجوية مع الوقت، وتحولت حتى إلى أداة لجرائم الحرب. وبينما علقت العملية البرية بالوحول في غياب تيار تنظيمي مركزي كبير قادر على قيادتها من دون إقصاء للتيارات الأخرى والحكومة الشرعية، المفترض أن يعمل الجميع تحت إطارها. وبالنتيجة عجزت بعد خمس سنوات (مدة طويلة طبعاً) عن استعادة صنعاء والحديدة، أو أي منطقة أخرى مهمة من يد الحوثيين. وعملياً، فشلت في كسر الانقلاب وهزيمته، وبدت الحكومة الشرعية كأنها خسرت العاصمة الثانية، عدن، أيضاً لصالح الانفصاليين المدعومين من أبوظبي، والذين يمثلون النسخة المحلية للجنرال المتمرّد خليفة حفتر الذي تدعمه أبوظبي أيضاً.
بعد الفشل في كسر الانقلابيين، وفرض سيطرة الحكومة الشرعية على كامل التراب الوطني، دعمت عاصفة الحزم الانفصاليين في مشهدٍ يكاد يكون سورياليا، ولكنه يشبه ما تفعله الإمارات في ليبيا، حيث دعمت انقلاب حفتر، وبعد فشله في السيطرة على كامل ليبيا، وفرض سلطته الأحادية فيها، حوّلته أبوظبي من انقلابي إلى انفصالي. وقد أطلقت الحكومة الشرعية الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) حملة عاصفة السلام العسكرية ضده وضد مشروعه الذي يعمل من أجل السيطرة وبالقوة على البلد، وإعادة تحديث نظام القذافي الساقط وإقصاء كل التيارات والمكونات السياسية الأخرى. لم تقفل الحكومة التي تدعمها تركيا الباب أمام أي من أبناء الشعب الليبي، بغض النظر عن خلفيته الفكرية والسياسية أو القبلية والمناطقية. وحملت العملية العسكرية أهدافا سياسية وميدانية واضحة، والنتيجة أنها نجحت بعد شهر فقط في تحرير الغرب الليبي كله مستعيدة كل مدنه (استعادة قاعدة الوطية ومدينة ترهونة مسألة وقت)، بعدما كانت قد صمدت أمام هجوم حفتر على طرابلس المدعوم من كل العالم، على عكس الحال في اليمن، حيث كانت عاصفة الحزم "الفاشلة" نفسها مدعومة من كل العالم.
ساعدت الدولة التركية الديمقراطية الحديثة حكومة الوفاق على الصمود في طرابلس، ثم خططت 
معها "عاصفة السلام" وزوّدتها بما تحتاجه بحِرفية عالية، وبما يتلاءم مع مجريات المعركة على الأرض، وسدّت كل الثغرات العسكرية الميدانية، محجّمة نقاط قوة حفتر، مع الاعتماد على الليبيين أنفسهم لإدارة المعركة، بمساعدة خبراء أتراك، والنتيجة واضحة وجلية طبعاً، ولا تخطئها العين.
كرّست الحكومة شرعيتها سياسياً، صمدت في طرابلس ثم تحولت إلى الهجوم، وتبدو الآن في طريقها إلى تحرير ليبيا كلها، وعملياً كسرت الانقلاب عسكرياً وسياسياً، وهزمت مشروعه الاستبدادي الأحادي، ولذلك لجأ هذا إلى الخيار الانفصالي، كما الانفصاليين في اليمن. وهذا يقود أيضاً إلى واحد من الفروق الجوهرية بين العاصفتين، حيث ذهنية عاصفة الحزم انفصالية وذهنية عاصفة السلام وحدوية تسعى إلى بناء دولة ديمقراطية لكل مواطنيها من دون إقصاء أو تهميش، وفق التفاهمات الوطنية الجامعة التي تتمسّك وتلتزم بها، كما قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتحديداً قرار مجلس الأمن رقم 2510.
ثمة فارق نوعي آخر ذو صلة، ويتعلق بالقوى الخارجية الداعمة للعاصفتين، حيث تركيا لا أطماع لديها في ليبيا، وعقدت اتفاقياتٍ ندّية مع حكومة الوفاق الشرعية، حفظت من خلالها الحقوق الليبية كاملة، وهو ما فعلته وتفعله في سورية والصومال، على عكس الإمارات التي تملك، على الرغم من "آلتها الدعائية"، أفكارا استعمارية وانفصالية واحتكارية في اليمن وليبيا والصومال، وتسعى إلى تحويلها إلى توابع وأدوات لأبوظبي ومصالحها.
في الأخير، وباختصار، يمكن القول إن "عاصفة الحزم" امتلكت إمكانات وفرصاً للنجاح أكثر بما لا يقاس من عاصفة السلام، كان العالم كله معها تقريباً، والعكس بالنسبة للثانية، حيث العالم كله ضدها، لكن الفارق تمثل في العقل الجامع الذي تصرّفت به حكومة الوفاق، مدعومة من حليفتها القوية تركيا، والعقل التفريقى الذي فرضته الإمارات، وتابعتها السعودية، على حكومة عبد ربه منصور هادي التي تآكلت شرعيتها طردياً مع طول العاصفة وتشتتها. وباختصار أكثر الفرق بين العاصفتين هو نفسه تقريباً الفرق بين تركيا المدنية الديمقراطية التي تملك عقلا وحدويا جامعا والمنحازة للشعوب وخياراتها، بكل تياراتها وفئاتها من دون إقصاء وتهميش، والإمارات التي يحكمها رجل واحد يهدر ثروات بلاده وإرث والده من دون مساءلة أو محاسبة من أحد، مهووس بمعاداة التيار الإسلامي ومحاربته. وعملياً يبدو كأنه يحارب طواحين الهواء في معارك خاسرة، سيدفع ثمنها في الداخل أيضاً وليس في الخارج فقط.