بين تسويق المآسي وتأليفها

09 يوليو 2014
+ الخط -


على شاشات التلفزة، في الصحف، وحتى في كلام الناس بين بعضهم، لا يسع المراقب والمتتبع لما يثار من مواضيع، إلا أن يصطدم بأحد أبرز العناصر في النظام الرأسمالي، وهو التسويق.

التسويق موجود في كل حرفة وصنعة، وهو من الأسس التي لا يمكن الاستغناء عنها بتاتاً، إذا ما أردنا إنجاح أي مشروع في ظل سيطرة قوانين الرأسمالية وسوقها. حتى الحانوتي، الذي يعمل في دفن الموتى يحتاج لتسويق حانوته، والطبيب كذلك، إذا لم يمتهن مداراة صحة الناس، لما نجح، ولا ذاع صيته من دون تسويق لسمعته الطبية والمهنية.

لكن، أن يقتحم التسويق دمَ الإنسان، ودماءَ الأطفال، وأن تتم المتاجرة بدموعهم، وأن يغدو بكاء الأيتام، وعويل الثكلى مادتين ترفيهيتين على الشاشات، تُعرَض بين جنباتهما المواد الإعلانية لتحقيق مكاسب تجارية ربحية، أن يحدث ذلك كله، من دون أن نرفضه، فهذا من مؤشرات انحدار الضمائر والأخلاق البشرية.

إن نحن تنبهنا، لخطر ووبال تسويق مآسينا، ومآسي الناس من حولنا، ووقفنا في وجه هيمنته المادية على خلاصات روحنا، فهل نحن نستطيع وقف زحف الطمع للمال، وشبق المستثمرين له. قد يكون ذلك ممكناً، إن نحن اتخذنا من الوعي والعقل طريقين نستبدل بهما الجهل والخرافة.

هذا الشر المستطير، والذي يفوق بخبثه ودناءته تسويق مآسينا، ما هو إلا اعتماد كثير من المحطات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي لمبدأ تأليف مآسٍ لم تحدث وارتجال جرائم لم تقع، ومن ثم تصويرها وبثها، على أنها جزء من معاناة الشعوب العربية.

التأليف والتسويق ليسا حيلاً جديدة على جانب من الإعلام العربي، خصوصاً الموالي للديكتاتوريات، لكن ما استجد هو طريقة التعاطي معهما، وكيفية تلقيهما ضمن معزوفات فنون الأكاذيب الدعائية؛ فعملية قبول هذه الأكاذيب هي الأخطر، بما تحمل من شحنات دعائية.

لا بد من تذكر وقفة وزير الإعلام العراقي السابق، محمد سعيد الصحاف، مجلجلاً بصوته، بالوعيد والتهديد، محتفياً بانتصارات الجيش العراقي، وصدّه الغزو الأميركي للعراق عام 2003. كم صدقناه وقتها، وكم من الجماهير رفضت التعاطي مع أي حقيقة أخرى، باستثناء الحقيقة التي يقولها الصحاف.

بعد الثورات العربية، التي جاءت بعد الثورة الرقمية المهولة، وحولت الناس جميعهم إلى صحافيين ميدانيين، بكبسات معدودات على أزرار أجهزة حديثة تلتقط الحدث في أجزاء من الثانية، وترسله ليبث إلى العالم قاطبة في غضون دقائق من وقوع الحدث، أنكر كثيرون أن الشعب العربي، أخيراً، ثار وانتفض، وما زال عدد كبير ممن لا يرون في انتفاضات الناس ومظاهراتهم إلا ضرباً من تنفيذ لمخططات صهيونية أميركية، مصدقين دعاية الأنظمة الديكتاتورية، التي تحاول وصْمَ الثورات العربية بها منذ البداية.

اﻹنسان العربي الجديد أنكرته الأطراف المؤيدة للأنظمة الشمولية في الوطن العربي، واعتبرت وجوده خيالياً، مشددةً على أن حال الدول العربية على ما يرام. هذا، تماماً، ما يفعله بشار اﻷسد اليوم، حيث يقوم يسخر من شعبه، ويستخفّ بوعيه وعقله وكيانه.

أما آن لنا أن نعود لتحكيم عقلنا في كم اﻷكاذيب التي تعرض علينا؟ ألم يحن وقت الدينونة ﻷدمغتنا، فنحاسبها على ما امتصت من أوهام وخزعبلات، أدخلناها عقولنا دونما رقيب أو حسيب، ومن غير جمرك حتى!

avata
avata
محمد حجو (سورية)
محمد حجو (سورية)