بين التشويه والتجديد... إشكاليات التوزيع الموسيقي

بين التشويه والتجديد... إشكاليات التوزيع الموسيقي

04 اغسطس 2020
بعيداً عن القمع السياسي... هل يحق لميشال فاضل العبث بأغنية موسيقياً؟ (فيسبوك)
+ الخط -

قبل أيام، قامت في لبنان "ثورة مُضادة". القصة باختصار، هي حذف مقطع من قصيدة للشاعر الراحل نزار قباني غنتها ماجدة الرومي أواخر الثمانينيات، عنوانها "ست الدنيا يا بيروت"، من ألحان جمال سلامة. حصل ذلك في حفل أقيم لمناسبة عيد الجيش، حُذفت من التسجيل جملة "إن الثورة تولد من رحم الأحزان". لاحظ عدد من اللبنانيين الذين تابعوا الحفل على شاشات التلفزيون، وبدأت صيحات الاستنكار على المواقع البديلة وتساؤلات حول ما حصل فعلاً.
حُكي عن قرار سياسي اتخذ بهذا الشأن، يقضي بحذف "إن الثورة تولد من رحم الأحزان"، مهابة بعض السياسيين اللبنانيين من عبارة "ثورة"، بعد الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول، وتعرية الطاقم السياسي. في حين خرج بيان عن منظمّي الحفل يقول بما معناه، إن التوزيع الموسيقي لهذه الأغنية ارتأى تقديمها غناءً بقالب موسيقي جديد، "بتقنية الصوتين".
رفض الموزع الموسيقي، ميشال فاضل، الذي قاد الفرقة الموسيقية وفريق "الكورال" معاً، التصريح، أو توضيح ما حصل فعلاً. أخذ بيان التوضيح عن فاضل، المسؤولية لحصر ما حصل في "التوزيع الطارئ" الذي أراده فاضل نفسه. ولو سلمنا فعلاً بالتحايل الذي أراده البيان امتصاصاً للغضب الشعبي من حذف مقطع يحمل مفردة "ثورة"، وهو ينم عن ضيق ذرع السلطة بالحرية والتعبير عن الرأي؛ نجد، من ناحية موسيقية، أن التشويه يكمن في "الحذف"، ومعظم المقاطع الموسيقية التي يعيد الموزعون في لبنان أو في العالم العربي صياغتها على مزاجهم.
أحيانا، يخرج الموزع عن السياق الأساسي للملحن رغبة منه في تقديم محتوى آخر، واللعب على "النوتات" التي طبّعت الأغنية لسنوات وربما لعقود. إضافات تظهر الحداثة. يظهرها الموزع أو قائد الفرقة وفق إرادته وتبنيه لخط آخر في رأي الكثيرين هو خط معاكس للأغنية، خصوصاً لو كانت الإضافة "هارمونية" تعتمد على موسيقى بزيادة التقنيات الإلكترونية بأسلوب حديث لا يحافظ على "روحية" الأغنية الأصلية، بل يحاول المسّ بها، ويحرفها عن مسارها الأصلي الذي سارت عليه.

لسنوات سابقة، حاول بعض العازفين الموسيقيين إعادة ما تيسر من معزوفات موسيقية أو غنائية وفق مفهومهم الخاص، لكن قلة منهم أفلحوا في ذلك، ومنهم عازف الساكسفون المصري، سمير سرور، الذي اعتمد على "روحية" ونهج إعادة توزيع أغان أو مقاطع وألحان للسيدة أم كلثوم. سرور الوحيد الذي استند إلى "إرث" شارك فيه عندما وقف إلى جانب زملائه في فرقة أم كلثوم، في أغنيتين قبل أن ينتقل إلى الفرقة الماسية.
تفرد سرور مع أم كلثوم، في مقاطع خاصة أقرب إلى الـ "صولو". كما نلمس في عمله على "ألف ليلة وليلة" (1969) من ألحان بليغ حمدي، خصوصاً في المقطع الأول على مقام النهوند، والمقطع الرابع على مقام الراست، وكذلك في أغنية "فات الميعاد" (1967) من ألحان بليغ حمدي أيضاً؛ إذ اعتمد سرور على فرادة وعزف نافر في المقطع الثاني على مقام العجم.
بعدها، أصدر سرور مجموعة من المقطوعات الموسيقية التي حققت نجاحاً كبيراً بحيث لم يخرج عن الأصل اللحني للأغاني، مجزّئاً الموسيقى من دون إضافات، بل غلب صوت الساكسفون، ليزيد من اختلاف الإيقاع الموسيقي السريع، كونه يعيد تسجيل معزوفة وليس أغنية بعيداً عن التشويه الذي نشهده اليوم.

المساهمون