بين التحرش والإعجاب

بين التحرش والإعجاب

02 مارس 2018
+ الخط -
قال لأصحابه في المقهى، وهم يتجاذبون أطراف الحديث حول القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان المغربي المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء: أعرب لي "بْسْ بْسْ"، فقال له صديقه مقهقها، "قديمة هي هذه العبارة، فهي أداة لصيد النساء" وملأت قهقهاتهما المقهى، بينما نظراتهما لا تستقر في أي مكان.
العبارة من العبارات التي يُتحرش بها جنسيا بالنساء في الشوارع المغربية، وقد صار الحديث عن التحرش الجنسي مستحوذا على ألسنة غالبية الجالسين في أرصفة المقاهي، وعلى مصطبات المحلات التجارية، بسبب ما شمله القانون الجديد المتعلق بالعنف ضد النساء من عقوبات بشأن التحرش، كيفما كان نوعه وعقوبات أخرى. وقد شمله بعض العامة من الناس بثرثرة كثيرة، لكون كثيرين منهم لا يستطيعون النأي بأنفسهم عن هذا الفعل الشنيع الذي يمارسه كثيرون منهم صباح مساء؛ أغلبهم بعبارات نابية، مدعين أن ذلك لا يعدو أن يكون إعجابا بجمال المرأة وانبهارا بقوامها، وربما السبب وراء اهتمام فئة من العامة بهذا القانون يعود إلى أنه يهدد هواية بعض منهم، المتمثلة في التحرش بالنساء في الشارع العام، مدعين أنهم يبدون إعجابهم لا أقل ولا أكثر، وفعلهم ذلك لا يعد في اعتقادهم عنفا ضد النساء.
جاء في معجم الوسيط أن معنى تحرش به هو "تعرض له ليَهِيجَهُ"، بمعنى استوقفه ليقول له كلاما فيه سب وتعديد للمعايب، في حين جاء تعريف الإعجاب على أنه "راقه وسرَّهُ"، أي الشعور بالسرور والانبساط عند ظهور ما هو حسن وجميل. وبذلك يتضح جليا أنّ هناك بون شاسع ما بين التحرش والإعجاب، وأن لا مجال لتلبيس التحرش جلباب الإعجاب، إذ أن التحرش يدخل ضمن العنف الممارس على الآخر، سواء كان رجلا أو إمرأة.
وحسب تعريف المعجم الوسيط نجد أنه ينطبق عليه نسبيا التعريف الذي منح للعنف ضد النساء في المادة الأولى من قانون محاربة العنف ضد النساء، وذلك من حيث آثاره: كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة، بالتالي فإن التحرش فعل يؤذي الغير، وبالخصوص النساء كونهن الأكثر تعرضا للتحرش الجنسي.
عموماً، التحرش سلوك مشين، سواء أكان لفظيا أو إيحائيا أو غير ذلك، يتسبب في أضرار نفسية وجسدية للمرأة، في حين أن الإعجاب هو شعور بالابتهاج لا أقل ولا أكثر، ولا يعبر عنه بسلوكات "حيوانية" كالتصفير والغمز واللمز واللمس في أحايين أخرى، وإنما له مناسبات خاصة، وألفاظ مناسبة للتعبير عنه، بالتالي لا سبيل للخلط بين التحرش والإعجاب، وجعل هذا الأخير غطاء لتصرفات لا تمت للمدنية بصلة.
التحرش يتم بغير رضا الطرف الآخر، كما أنه يكون غالبا بألفاظ نابية، وأحيانا يذهب المتحرش إلى تهديد المرأة وسبها، ومنهم من يتجرأ على ضربها في أحايين أخرى، لعدم الاستجابة له، وبذلك تكون المرأة في مشكلة لا دخل لها فيها.
توعد القانون الجديد لمحاربة العنف ضد النساء، المتحرشون بالسجن والغرامات المالية، ونص القانون (103.13) على أنّ الرسائل الهاتفية والالكترونية من قبيل "الواتساب" أو الفايسبوك" تعد دليلا ماديا كافيا للإدانة بتهمة التحرش الجنسي، حيث نص المشرع على مضاعفة العقوبة الحبسية والغرامة المالية لزملاء العمل والمكلفين بحفظ النظام في الشارع العام.
شدد القانون الجديد المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء (103.13) العقوبات على المتحرشين جنسيا، بحيث إن كل مرتكب لجريمة التحرش الجنسي يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10 آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك إذا أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، سواء بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغرض جنسية، وحدد القانون فصولا نص فيها على "أنه تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها".
وتجدر الإشارة إلى أن ما أسهم في إخراج القانون إلى حيز الوجود، هو توصيات الجلسة السابعة والخمسين للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة الصادرة في 15 مارس/ آذار 2013، التي حثت الدول على أن تدين بقوة كل أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وأن تمتنع عن التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية لكي تتجنب الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالقضاء على العنف، على النحو الموضح في الإعلان الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة.
CEC5460D-4934-481F-BA72-727D81142E65
CEC5460D-4934-481F-BA72-727D81142E65
عبد العالي أورشيح (المغرب)
عبد العالي أورشيح (المغرب)