بيروت تحترق ولا أعلام بيضاء لترفعها

06 اغسطس 2020
+ الخط -

في 5 أغسطس/آب عام 1982، كتبت صحيفة "السفير" أن "بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء". كان عدداً شجاعاً حينها يتحدى القصف الإسرائيلي على العاصمة اللبنانية واجتياحها الذي "يدمّر مئات البنايات وآلاف المنازل و9 مستشفيات، ويسقط 300 قتيل وجرحى". العنوان تحول إلى شعار لاحقاً أصر لبنانيون على رفعه استكباراً، إيماناً بعاصمة أُحرقت ونُهبت ونُكّل بأهلها طوال سنوات.

الشعار سقط إلى غير رجعة بعد 38 عاماً. صباح الأربعاء 5 أغسطس/آب عام 2020 لم تملك أي صحيفة لبنانية صامدة، ذلك أن "السفير" وغيرها ودعت قراءها نهائياً خلال الأعوام الأخيرة، ترف التحدي أو الصمود. لا أعلام بيضاء لترفعها بيروت التي أُعلنت "مدينة منكوبة"، بعدما ضربها مساء الثلاثاء انفجار أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص وإصابة أربعة آلاف بجروح، فيما يواصل رجال الإسعاف محاولات العثور على ضحايا وسط الركام في المرفأ والمباني المدمرة.

ما سبب الكارثة؟ قالوا أولاً إنه انفجار عنبر للمفرقعات النارية في مرفأ بيروت، ثم قالوا إنه انفجار 2750 طناً من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في الميناء منذ ست سنوات من دون إجراءات السلامة. لكن ما اتفق عليه اللبنانيون أن ما حصل لم يكن حادثاً. الفساد والإهمال ليس حادثاً، بل اغتيال استهدفهم كلهم في لحظة واحدة حين كانوا يحاولون التقاط أنفاسهم من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي سببته سنوات من الفساد وأججته جائحة وباء كورونا.

الصحف اللبنانية رفعت أعلامها البيضاء، فنشرت صحيفة "النهار" صورة من المدينة المنكوبة على غلافها يوم الأربعاء، تحت عنوان "الفاجعة... الدولة الفاشلة تطلق النار على نفسها". واكتفت صحيفة "نداء الوطن" بصورة من موقع الانفجار، تحت عنوان أشبه بنعوة "يا بيروت...". وكتبت صحيفة "اللواء" على صفحتها الأولى أن "نكبة بيروت تهز العالم". صحيفة "لوريون لو جور" الناطقة بالفرنسية نشرت صورتين صادمتين على غلافها الأول، واكتفت بكلمة L'apocalypse أي "نهاية العالم". صحيفة "الأخبار" نشرت أيضاً صورة من موقع الانفجار، وخصصت ملفاً لما حصل عنوانه "الانهيار الكبير"، تضمن مقالات تحت عناوين "حرب نووية وقعت في بيروت" و"مرفأ بيروت مدمر: عن أي كارثة نتحدث؟" و"ضربة قاضية للقطاع الصحي" و"بيروت مدينة منكوبة" و"لا أزمة قمح".

وقد صدرت هذه الأعداد من مكاتب مدمرة وبجهود زملاء مصابين؛ مبنى صحيفة "النهار"، وسط بيروت، أُصيب بأضرار بالغة، وأُصيب 15 زميلاً في المؤسسة بجروح متفاوتة، ونُقل بعضهم الى المستشفيات لتلقي العلاج. كذلك أصيب الزميل في قناة "الجديد" حسان رفاعي، وزميل له، إصابات طفيفة.

المؤسسات الإعلامية العربية والدولية في بيروت لم تسلم من المأساة، فتضرر مكتب صحيفة "العربي الجديد" وجميع الأجهزة فيه، علماً أن الزملاء بدأوا يعملون خلال الفترة الأخيرة من خارجه، التزاماً بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا. الفيديو الملتقط من المكتب بيّن الدمار الهائل فيه وفي الشارع كله والأبنية المحاذية، بينما أصيبت الزميلة ميليا بو جوده والمصور حسين بيضون بجروح طفيفة خارج المكتب، نُقلا على أثرها إلى المستشفى لتلقي العناية اللازمة، إضافة إلى مسؤول الأمن في المبنى خلدون أبو حسين.

وأصيبت مكاتب صحيفتي "الشرق الأوسط" و"إندبندنت عربية"، وسط بيروت، بأضرار جسيمة اقتصرت على الماديات، علماً أن الموظفين بدأوا يعملون من منازلهم خلال الفترة الأخيرة. ولحقت الأضرار بمكتب "بي بي سي نيوز عربي"، الواقع في "ساحة رياض الصلح" وسط العاصمة بيروت، جراء الانفجار. والتقطت لحظة انفجار المرفأ في بيروت أثناء مقابلة أجرتها الصحافية مريم التومي، في مكتب "بي بي سي" في بيروت، مع مدير المشاريع في "الوكالة المغربية للطاقة المستدامة" فيصل الأصيل. وتضرر مكتب "الجزيرة" في بيروت، وبين تقرير للقناة الدمار في الاستديو الخاص بها في العاصمة اللبنانية. كما تحطم مكتب شبكة "سي أن أن" الأميركية وسط بيروت، وفق ما نقل مراسلها بن وديمان. كذلك تضرر مكتب "التلفزيون العربي" على نطاق واسع، إضافة إلى مكتب وكالة "أسوشييتد برس".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

 شظايا الانفجار وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي أغرقت بصور وفيديوهات وثقت المصيبة. وشدد اللبنانيون في منشوراتهم، منذ مساء الثلاثاء، على ضرورة محاسبة المسؤولين كلهم و"#علقوا_المشانق"، مستذكرين تقارير صحافية استقصائية وأخبارا عن رشاوى وفساد في المرفأ والجمارك اللبنانية، وتحديداً ما ثابر الصحافي رياض قبيسي على كشفه. اللبنانيون بدوا كأنهم يودعون عاصمتهم في اليومين الأخيرين، وهم "يلملمون جراحهم وما تبقى من منازلهم المدمرة على ضوء الشموع"، وفق ما عبّر كثيرون على موقع "تويتر". الرعب الذي خلفه الانفجار أعادهم إلى سنوات الحرب الأهلية والخوف الذي عايشوه أطفالاً ويعيشه أطفالهم اليوم.

 

المساهمون