بيرني ساندرز... أميركا أخرى مثلما يمكن أن تكون

بيرني ساندرز... أميركا أخرى مثلما يمكن أن تكون

08 فبراير 2020
فرصة أخيرة لساندرز لخوض السباق الرئاسي (كريم يوسيل/فرانس برس)
+ الخط -
تراقب المنظومة السياسية التقليدية في الولايات المتحدة بكثير من القلق نتائج بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي التي ستحسم اسم المرشح الذي سينافس الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية هذا العام، آملة أن يتم تجاوز "هبّة" صعود سيناتور فيرمونت المستقل. ومن باب المفارقات، أنه قد يجوز الذهاب بعيداً بالقول إن الديمقراطيين أنفسهم ربما يفضلون بقاء الملياردير النيويوركي في البيت الأبيض، على أن تدخله قدما المرشح الاشتراكي ساندرز، الذي يلعب اليوم فرصته الأخيرة من أجل إحداث "الزلزال الكبير" الذي يعد به جيشاً وفياً من المؤيدين. 

ومهما كانت النتائج، فإن الديمقراطيين، وخصوصاً التيار الوسطي المعتدل داخل الحزب، يدركون جيداً أن ما بعد ساندرز ليس كما قبله، بعدما خلق الأخير دينامية سياسية يصعب القضاء عليها، مؤسساً لـ"يسار جديد" في الولايات المتحدة آخذٍ في الصعود، ومخترقاً الحزب بسرعة الصاروخ. وليس صعود إليزابيث وارن، في المنافسة الديمقراطية، كذلك، إلا نموذجاً لما سيكون عليه كل استحقاق انتخابي مقبل للحزب، ما يعني وجوداً قوياً ووازناً للتقدميين. ويعتبر وصول بيرني ساندرز إلى البيت الأبيض بمثابة كابوس لشريحة مُعتبرة من الأطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة، ولدول وكيانات عدة، على رأسها  إسرائيل.

في الداخل، يصعب تعداد المتضررين من إمكانية أن يحظى الرجل البالغ من العمر 78 عاماً بفرصة العمر: الأوليغارشية السياسية، الشركات الضخمة، وول ستريت، لوبيات السلاح، قطاع إنتاج السلاح، قطاع النفط، "إيباك"، الإنجيليون، قطاع إنتاج الأدوية، أي كل مؤسسات الرأسمالية المتوحشة، وتلك المبنية على وظيفة عنصرية محرضة على التمييز. وكان ساندرز نفسه قد كشف في يوليو/ تموز الماضي، عن لائحة من المتضررين، والتي تضمنت أسماء بارزة من أصحاب المليارات الأميركيين، ومصرفيي وول ستريت، ومدراء تنفيذيين لشركات عملاقة.


ولكن لماذا يكره كل هؤلاء السيناتور منذ العام 2006 عن ولاية فيرمونت، وعضو مجلس النواب قبل ذلك منذ العام 1990؟

يرفع ساندرز منذ حوالى خمسة عقود أجندة معارضة للمنظومة السياسية التقليدية، بدأت اليوم شريحةٌ كبيرة من الناخبين الأميركيين متحمسة لها، وهي تُصوت لأجلها. على الرغم من ذلك، يبقى الرجل، الذي يترشح للرئاسة الأميركية للمرة الثانية، بمثابة دخيل، فهو ليس سوى ذلك الديمقراطي الاشتراكي، الذي لم يتمكن أبداً من الانضمام فعلياً إلى الحزب الذي يترشح باسمه.
يقول ساندرز إن السبيل الوحيد للفوز في الانتخابات هو "خلق حركة من الجذور لم يعرفها تاريخ الولايات المتحدة من قبل". في المقابل، بدأ الإعلام الأميركي، ومنذ شهر تقريباً، وتماماً كما فعل خلال منافسة ساندرز - هيلاري كلينتون (2016)، مع صعود أسهم هذا المرشح الديمقراطي، بشنّ حملة شرسة عليه، نابشاً في أرشيفه ولقاءاته مع مسؤولين سوفييت، وكذلك مواقفه الداعمة للحكم التشافيزي في فنزويلا، ورغبته السابقة في لقاء الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ليصل الأمر إلى تحذير "واشنطن بوست" من أنه إذا "ما فاز ساندرز في التمهيديات، فإن سياسته الخارجية ستكون موجودة على ورقة الاقتراع في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ولذا يتوجب على المقترعين في الانتخابات التمهيدية الانتباه لذلك".

في المقابل، يرفض ساندرز لقب "داعي السلام". ولعل المقابلة التي أجراها قبل أيام مع حسن منهاج، مقدم برنامج "باتريوت آكت" على شبكة "نتفليكس"، تلخص الكثير من طريقة تفكيره في ما يتعلق بالقضايا الداخلية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. يرفض ساندرز اتهامه بأنه يريد أن يجعل أميركا منزوعة السلاح، لكنه يقول إن ما يجب العمل عليه هو أن تغلب واشنطن خيار الدبلوماسية على لغة الحروب، مذكراً بمعارضته لحرب الخليج الأولى، وغزو العراق، وقبلهما مشاركته مبكراً في التظاهرات المعارضة لحرب فيتنام، ومنتقداً خصومه، ورؤساء أميركيين سابقين. ويقول عن هذا الموضوع إنه "من السهل الوقوف، وإلقاء خطاب حماسي، لنرسل من بعده أبناء الطبقة الوسطى للقتال والموت في الخارج، في أفغانستان أو العراق".

يفاخر مرشح فيرمونت بأنه هو الذي ساهم في تمرير قانون تفويض الدفاع الوطني لوقف المشاركة الأميركية في الحرب على اليمن، والذي أُسقط لاحقاً بالفيتو الرئاسي. ويعترف بأن الكونغرس الأميركي تراجع عن أداء دوره أخيراً في أن يكون صاحب القرار في الحرب أو السلم.

شرق أوسطياً، يعترف المرشح اليساري بأن هذه المنطقة تعيش فوضاها منذ سنوات طويلة، لكن صناعة الأميركيين يجب أن تصبّ في بناء الطريق نحو السلام العادل، الذي يجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أمر "صعب". أما في ما خصّ يهوديته، فهو يرى أن إسرائيل "لديها الحق في العيش بسلام وأمان، شرط أن تعامل جيرانها، أي الفلسطينيين، باحترام وكرامة، وهو ما لا تفعله، خصوصاً حكومة بنيامين نتنياهو"، التي يعتبر أنها ذهبت إلى أقصى اليمين، إلى حدّ وصفه لها بالعنصرية. ولتعديل هذا السلوك، لا يرى ساندرز حلاً سوى في أن تلعب واشنطن ورقة قوية تملكها، ألا وهي وقف مليارات الدولارات من المساعدات السنوية لتل أبيب. كذلك يعارض المرشح الديمقراطي العقوبات المفروضة على إيران، معتبراً أن صراعها مع السعودية "أمر سئم منه وأتعبه"، واصفاً النظام السعودي بالديماغوجي والمجرم والقمعي.

داخلياً، يتبنى برنامج ساندرز سياسة تقدمية وهجومية لمكافحة التغير المناخي، و"التكسير الهيدروليكي" للنفط والغاز، أي تنقية إنتاج النفط والغاز، التي مكنت الولايات المتحدة من الاستفادة من حقولها النفطية المكتشفة، والتحرر من الاعتماد الكامل على الخارج في مجال الطاقة. كذلك يطالب ساندرز بمأسسة ضريبة على الثروة، وإنهاء أزمة السكن من خلال استثمار 2.5 تريليون دولار لبناء حوالي 10 ملايين وحدة سكنية بأسعار مقبولة مع القضاء على سياسات التمييز والفصل في السكن. أما علامتاه الفارقتان، أو اللتان تحملان توقيعه، فهما "الطبابة للجميع" medicare for all، والدراسة للجميع college for all، التي تمنح التعليم المجاني لطلاب المرحلة الثانوية والجامعية في المؤسسات غير الخاصة، والتي يجب أن تنهي قروض الطلاب.

المساهمون