بيتر بول روبنز... العثور على وجهه المفقود

بيتر بول روبنز... العثور على وجهه المفقود

03 يوليو 2020
اختفى هذا البورتريه عن الأنظار منذ عام 1977 (مؤسسة بيت روبنز)
+ الخط -

لم يكن الرّسام الفلمنكي بيتر بول روبنز (1577 - 1640) قد تخطّى عامه السّابع والعشرين بعد، حين تلقّى عام 1604 أولى مهامه الكبرى كرسام في بلاط دوق مانتوفا، شمال إيطاليا؛ وكانت المهمة تتلخّص في رسم ثلاث لوحات لصالح الكنيسة اليسوعية. فرسم روبنز اللوحات مخصّصاً الأولى لعائلة جونزاجا التي يتحدر منها الدوق، أثناء تبجيلها الثالوث المقدس، والثانية لمعمودية المسيح، فيما حملت الأخيرة عنوان "التجلّي".

ولأنّ هذه المهمة كانت هي الاختبار الأوّل لروبنز كرسام في إيطاليا، فقد أراد الفنان الشاب أن يثبِّت من خلالها أقدامه لدى دوق مانتوفا، وكذا لدى عائلة جونزاجا ذات النفوذ الكبير في بلاط ملوك وأباطرة أوروبا آنذاك. وكي يضع بصمته المرئية الأولى على هذه الأعمال، لم يكتف الفنان البلجيكي بتوقيعه الشخصي على لوحة عائلة جونزاجا والثالوث المقدس، بل منح نفسه مكاناً بارزاً في أحد أجزاء اللوحة الثلاثة، من خلال تضمين صورته الشخصية، وشكّلت هذه الإضافة أوّل توقيع مرئي لروبنز في مشواره الفني.

رسم روبنز نفسه في هذا البورتريه شاباً برأس نصف أصلع وفي منتصف العشرينيات من عمره، لكنه ينظر مباشرة في عين المشاهد، في جرأة لم تعرفها لوحات هذه الفترة الذهبية من عصر النهضة الأوروبية المتأخرة. جميع أصول هذه الأعمال الفنية، إما أتلفت أو أحرقت أو اختفت، مع تدنيس الكنيسة اليسوعية في مانتوفا وتفكيكها خلال الفترة النابليونية. وتناثرت الأعمال بين سرقة ونهب واستيلاء، حتى أن لوحة الثالوث المقدس التي رسمها روبنز في ثلاث لوحات متلاصقة، تم تفكيك أجزائها وبيع كل منها بشكل منفصل، وباختفاء الأصل، لم يتبق لدينا اليوم إلا الدراسات الأولية لهذه الأعمال الثلاث وبعض أجزائها التي حُفظت من خلال المجموعات الخاصة وبعض المتاحف الأوروبية، إلى أن أعلنت مؤسسة "بيت روبنز" في مدينة أنتويرب البلجيكية، مسقط رأس الرسام الفلمنكي الشهير، عثورها على أقدم بورتريه شخصي لروبنز قبل أيام، وهو البورتريه الذي ضمّنه روبنز لوحة الثالوث المقدس الذي اختفى عن الأنظار منذ عام 1977، ويعتبر اليوم واحداً من خمسة بورتريهات شخصية رسمها روبنز لنفسه، والأقدم بينها على الإطلاق.

وهذا ما أكده مدير متحف وبيت روبنز في مدينة أنتويرب البلجيكية، بن فان بينيدن، لوسائل الإعلام أخيراً، بقوله: "لم نكتشف وجود هذا البورتريه النادر، الذي كنّا نظن أنه فقد إلى الأبد، إلا عام 1977، حين كتب عنه مؤرخ الفن البريطاني مايكل جافيه الذي كان أحد خبراء روبنز الكبار في القرن العشرين، ومؤلف العمل القياسي "روبنز في إيطاليا". أرجع جافيه أصل اللوحة إلى روبنز، وقد عرضه جافيه بنفسه لأول مرة في متحف Fitzwilliam في كامبريدج، حين كان يتولى مسؤولية إدارته في السبعينيات، وبعدها عاد البورتريه إلى الاختفاء من جديد، حتى توصلنا إلى مالكه الحقيقي، واستعرناه منه لفترة محدودة لعرضه لأول مرة منذ 40 عاماً".

كذلك أعلنت مؤسسة "بيت روبنز" عن عرض لوحة أخرى لكبير فناني عصر الباروك، وهي بعنوان "صورة لامرأة شابة ترتدي قلادة"، وهي عمل غير منته رسمه روبنز سنة 1605 في جنوى الإيطالية. وتظهر اللوحة امرأة شابة ذات عيون بنية كبيرة وشفاه حمراء كاملة. وأكثر ما يلفت الانتباه فيها هو الشجاعة التي رسمها بها، حيث يؤكد أكثر من متخصص أن روبنز رسمها ربما في أقل من يوم واحد. وفي حين تم تصوير ملامح وجه المرأة وتعبيرها بمهارة، بقيت ملابسها غير مكتملة الرسم، ما يشير إلى أن روبنز لم يكمل اللوحة لسبب ما.

يذكر أنه في مارس/ آذار عام 2019 ظهرت لوحة القديسة مارغريت لروبنز في مزاد علني في مدينة ليل، شمال فرنسا. وكانت اللوحة ضمن مجموعة من الرسوم الزيتية التي أنجزها روبنز، بوصفها تخطيطات أولية للرسوم التي نفّذها الفنان لاحقاً على سقف كنيسة الآباء اليسوعيين في مدينة أنتويرب البلجيكية، وهي الأعمال التي اختفت بعد احتراق الكنيسة في صيف 1718.

ولم تبق منها سوى اللوحات الأولية التي كان الرسام قد أنجزها بالأصباغ الزيتية على ألواح من خشب البلوط، ومنها هذه اللوحة التي تمثل القديسة مارغريت، لتسجل حينها كأوّل عمل فني يظهر لروبنز في مزادات الفن الفرنسية خلال السنوات العشر الماضية.

 

المساهمون