"جوارديولا هو ستيف جوبز كرة القدم، هذا المدرب شجاع ومحب للجمال ومبتكر، وأيضاً نقطة مرجعية مهمة في عالم كرة القدم، أعتقد أن برشلونة قد تحول إلى ثقافة في كل شيء إذ يتم تعليم الشباب كرة القدم في مدرسة لاماسيا قبل أن يتم تطبيق ذلك في كامب نو،" يتحدث المدير الرياضي الأسبق وأحد نجوم ريال مدريد خورخي فالدانو عن بيب، واصفاً إياه بجوبز، أحد أعظم المبتكرين في تاريخ البشرية.
التجربة مختلفة
يضع البعض مقارنات عديدة بين تجربة جوارديولا وأقرانه، أمثال دييجو سيميوني ويورجن كلوب، خصوصاً أن الثنائي الأخير حقق نجاحاً كبيراً في عالم اللعبة، بالطبع ليس بمقدار وحجم إنجازات المدرب الكتالوني إلا أن الروح القتالية للشولو والقدرة التكتيكية للمجنون الألماني، أمور يجب ذكرها بتقدير واحترام كبيرين، بالنسبة لفرق تعتمد على أقل الإمكانيات المتاحة، كأتليتكو مدريد وبروسيا دورتموند.
لكن الفارق كبير بين الحالتين، لأن سيموني بدأ التدريب منذ 2006 حتى التحق بأتليتكو مدريد في 2011، وبالتالي بدأ السلم من أسفل درجة ممكنة، وخرج مبكراً في أكثر من مناسبة من بطولات أمريكا الجنوبية رفقة فرق ريفر بليت وسان لورينزو، مع عروض عادية مع فريق راسينج وكاتانيا، والقصد من هذه المعلومات ليس التقليل من دييجو بل التأكيد على صعوده التدريجي في عالم التدريب، وهذا أمر طبيعي ومتوقع لأن البدايات في الغالب تكون صعبة ومعقدة.
كذلك بالنسبة ليورجن كلوب، المجذوب الذي وصل إلى أرقام مبهرة مع بروسيا دورتموند، وصنع لنفسه ولفريقه أسلوب أداء خاص ومختلف، لكنه أيضاً قضى سبع سنوات كاملة مع ماينز، قبل أن يتولى مهمة قيادة أسود فيستفالين عام 2008، لذلك أصر يورجن على حرث العشب من العمق، واستنسخ لاعبوه نفس الروح والشخصية داخل المستطيل الأخضر.
ضحايا أم متهمون؟
ليوناردو، سيدورف، ستراماتشيوني، روي كين، إنزاجي، سامي هيبيا، ألان شيرار، سامي الجابر، وأسماء أخرى بدأت التدريب مبكراً على طريقة بيب جوارديولا، لكنها لم تحقق النجاح المرجو والهدف المنشود مع أنديتها، والمشكلة لا تخصهم فقط، بل تشمل طريقة اختيارهم والأسباب الحقيقية وراء الرهان على قدراتهم، ومدى تدخل الأهواء والمصالح الشخصية في آلية القرار، بالإضافة إلى دخول الجماهير في المعادلة الخاصة بالإدارة الرياضية.
يختار رئيس النادي اسماً مشهوراً، يجب أن يكون نجماً سابقاً، ولاعباً كبيراً في الملاعب، يحترمه الإعلام ويعشقه الجمهور، ولا خلاف على الاستعانة بتجربة جوارديولا والإتيان بمدير فني صغير في السن من باب التفاؤل، على أمل تكرار نجاحات برشلونة وصناعة منظومة كروية جديدة تجذب الرعاة التجاريين وشركات الدعاية الرياضية.
ويجب، أيضاً، عدم نسيان الحالة الفنية للفرق، فمعظم الأسماء السابقة جاءت في ظروف صعبة للغاية، كانت الحاجة فيها إلى مشروع حقيقي أهم من اختيار اسم ما، مهما كانت قيمته سواء كلاعب أو مدرب، وبالتالي حينما يأتي مدير فني لتولي إدارة فريق يعاني على الصعيدين الفني والبدني، فإننا أمام مهمة تحتاج إلى خيال كروي واسع وعقلية تكتيكية جبارة، مع العامل الأهم الخاص بالصبر على السلبيات كافة حتى تحقيق الإيجابيات.
وبدلاً من تحمل المسؤولية وتكوين فريق متكامل لكرة القدم، يضع المديرون أيديهم على الحل السهل والسريع، بجلب نجم شهير لتولي الإدارة الفنية، حتى يجذب كاميرات الإعلام وينال رضا الجماهير وحب اللاعبين، لكن مع الوقت يظهر غول الفشل الذي يُلقي بظلاله على الجميع قبل النهاية الحزينة المتوقعة، إما الاستقالة أو الإقالة.
المشروع الكروي
التجربة الجوارديولية تنقسم إلى فكرتين، الأولى جماعية خاصة بالعمل الجماعي، والأخرى فردية مرتبطة بقدرات وأفكار المدرب الشاب. لذلك كانت الصورة الأولى أثناء مؤتمر تقديم جوارديولا في صيف 2008، تجمع بين يوهان كرويف، تشيكي بجرستين، جوان لابورتا، وبيب، وكأن الرباعي يوجه رسالة صريحة إلى الجميع بأن الجماعية أولى درجات النجاح، ومن دون مساندة حقيقية من الجميع، لن تصل أبداً إلى قمة المجد.
استفاد جوارديولا من دعم عرّابه كرويف، والتفاهم الثنائي بينه وبين المدير الرياضي تشيكي، وقبل كل ذلك الثقة غير العادية من مجلس الإدارة الذي وافقه في كل قراراته، ونصره ظالماً أو مظلوماً، لذلك حينما قرر المدرب الاستغناء عن ديكو ورونالدينيو، وافقه لابورتا، وعندما جاء بيب، وقال بأنه لا يملك شعوراً تجاه إيتو ويجب أن يرحل، استجاب الرئيس إلى رغبته وأتى سريعاً بزلاتان إبراهيموفيتش، ليعاجله بيب بعد عام من طلبه مغادرة السويدي، ويفاجئه جوان بكرم غير محدود ويجلب دافيد فيا سريعاً.
هكذا هي الإدارة التي تريد النجاح لمدربها، وقبل وجود اسم تدريبي قوي يجب أن يحضر المشروع المتكامل الذي يشمل ذكاء إداريّاً وخبراء على سبيل الاستشارة وإدارة رياضية تعمل بجد، ومجموعة لاعبين تملك جوعاً تجاه الألقاب، ومع توافر هذه المقومات يأتي دور المدير الفني، الرجل الذي يجمع كل هذه النقاط ويضيف لها طابعه الخاص في قالب حقيقي نحو الإبداع.
عقلية فذة
من وجهة نظر يوهان، التركيب الجسماني لأي لاعب من الممكن تطويره، ولا يعتبر العنصر الأساسي في التقييم، لكن الرؤية هي الأهم، واللمسة الأولى تعطي انطباعاً مختلفاً، وجوارديولا يملك هذه الأسرار، وكان بيب هو اختيار الأسطورة الهولندية لكي يتولى تدريب البارسا بعد رحيل فرانك ريكارد، كرويف الفنان الذي أعطى بيب الفلسفة الكروية، وحب الهجوم والرغبة في الابتكار.
الصديق هو الكنز الذي لا يقدر بثمن، وجوارديولا كان وما زال محظوظاً بتلقيه النصائح الفنية على يد مجموعة قديرة من المدربين، بالإضافة إلى صديقه الصدوق خوانما ليو، المدرب الذي جعل بيب يسافر إلى المكسيك خصيصاً للتدرب تحت قيادته مع فريق متواضع، ليتعلم منه الكثير من الجوانب التكتيكية، ويشترك الثنائي في بعض الدراسات الفنية الخاصة بالتمركز واللعب الهجومي، لذلك عمل جوارديولا كمدرب قبل سنوات من حصوله على الفرصة الأولى مع برشلونة الرديف.
وفي كأس العالم 2006، قابل بيب مدرب المكسيك ريكاردو لا فولبي وقدم دراسة كروية خاصة بفكرة بناء الكرة من الخلف، ليعبر عن إعجابه الشديد بأسلوب لا فولبي مع المنتخب المكسيكي في المونديال العالمي. وبالطبع هناك مارسيلو بيلسا، اللوكو الذي جلس معه جوارديولا 11 ساعة كاملة قبل الموافقة على تولي المهمة البرشلونية.
وكما أعطى كرويف الفلسفة إلى جوارديولا، اللعب الهجومي والرغبة في الإتيان بالجديد والخيال الكروي الممتع، أما لويس فان جال فزرع في بيب الخبث التكتيكي ومحاولة تحليل المباريات بطريقة أكثر عمقاً من الجميع، لذلك تحدث الخال عن الفيلسوف وأكد بأنه مدرب منذ صغره، أما بيب فقال عنه بأنه أفضل مدرب تكتيكي قابله في حياته.
في عشق التفاصيل
شئنا أم أبينا، أصبحت فكرة المدربين الجدد بمثابة الظاهرة المنتشرة بقوة خلال السنوات الأخيرة، وصار جوارديولا هو المثال والقدوة التي يسير على خطاها الجميع، لكن الأمر يحتاج إلى مجهود خارق وتعاون جماعي لا محدود، ليأتي دور الشخص الذي يستفيد من كافة التجارب السابقة ويحقق أكبر قدر ممكن من البطولات في أقل فترة زمنية.
لذلك قبل الوصول إلى مرحلة بيب، هناك العديد من المحطات الإدارية والفنية والكروية التي يجب أن توضع في الحسبان، عوضاً عن الاستسهال واختصار خلطة النجاح في خبطة واحدة تعتمد على الاحتيال وسرقة الأفكار دون ترتيب. وهنا تأتي أهمية الاختلاف لتضع العنوان الفاصل والأهم، "ليس مدرب جوارديولا، ولا تعمل كل إدارة بالأدوات نفسها التي طوّرها لابورتا ورفاقه".
وتبقى كرة القدم في وضع متشابك خلال السنوات الفائتة، بين تجربة رائعة قائدها جوارديولا ومحاولات مستمرة لنسخ الفكرة مرات ومرات في سبيل الوصول إلى ثورة كروية جديدة تسيطر على الأجواء الأوروبية والعالمية كما حدث مع بارسا بيب.