بيان لن يكتبه العسكر

بيان لن يكتبه العسكر

18 أكتوبر 2015
+ الخط -
اشتاق الشعب المصري لبيانات المجلس العسكري التي كانت تصاغ بعناية فائقة، لتوصيل رسائل الخداع والتهديد والوعيد، والتي استمرت ولم تنقطع، حتى بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي، وكان خاتمتها البيان في يناير/ كانون الثاني 2014 بتزكية مرشح القوات المسلحة للانتخابات الصورية للرئاسة، تتويجاً لمناورات ومؤامراتٍ، انتهت بانقلاب عسكري على إرادة الشعب، وانقطع الوحي من يومها، ربما لانتقال ممثلهم ومرشحهم الرسمي إلى قصر الرئاسة.
ولو اقتبسنا من مدرسة الكاتب المثقف، خليل العناني، صاحب "بيان لم يكتبه الإخوان" (العربي الجديد، 24/ 9) وجلسنا في معسكر العسكر، وتخيلنا صدور بيان مفاجئ، يسبقه تنويه، في التلفزيون المصري، بأنه تم تشكيل مجلس عسكري جديد، وأنه في حالة انعقاد دائم، ومن المنتظر توجيه بيان للشعب بعد قليل، مع خروج محللين يتوقعون محتوى هذا البيان، واتصال تليفوني من عباس كامل مع شخصية خليجية كبيرة، يخبره بنص البيان قبل صدوره، وها هو الإرسال ينقطع، ليظهر نص البيان:
يتقدّم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخالص التعازي لجميع أسر ضحايا الأحداث المؤسفة والأليمة التي تمت منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، بل وما حدث من جرائم بيد بعض قادة العسكر، منذ ثورة يناير المجيدة، وحتى تاريخ هذا البيان، ونواجه الجميع بالحقائق التالية:
1) تعرّض القادة العسكريون لحملة خداع كبيرة، من واقع بيانات ومعلومات خاطئة ومغرضة، سوّقها مدير المخابرات العسكرية السابق، والذي عين بعد ذلك وزيراً للدفاع، ثم قاد انقلاباً عسكرياً، تسبب في ضياع ما تحقق لمصر، بفضل ثورة يناير العظيمة، وكاد أن يضيع مستقبلها، في ظل تخبطٍ، وزرع الكراهية والبغض بين أفراد المجتمع الواحد، وتفكك تماسكه الاجتماعي، بصورة يشهد عليها الجميع.
2) فقدت القوات المسلحة المصرية، بسبب سوء إدارتها البلاد، الظهير الشعبي، والذي لا تقوم الجيوش إلا عليه، وتلوثت سمعتها، وارتبطت بالجشع الاقتصادي، وسيطرتها على مقدرات البلاد وثرواتها.
3) انهار الاقتصاد المصري، وزادت ديونه الداخلية والخارجية، على الرغم من المنح التي أغدقت عليه من كل حدب وصوب، وفقد الجنيه المصري هيبته، والمواطن المصري كرامته في الداخل والخارج.
4) تعرّض الشعب المصري لموجة غش منظم واستخفاف بعقله من الإعلام الذي أداره المجلس العسكري السابق، عبر ترويج أكاذيب حول الرخاء الاقتصادي والمليارات التي ينتظرها الشعب، بل وصل ذلك الاستخفاف إلى استخدام الألعاب الإلكترونية والخزعبلات غير الواقعية، للتدليس على الشعب.
5) امتلأت السجون بزهرة شباب مصر، وتجاوز عددهم خمسين ألفاً، بسبب مطالبتهم
المشروعة بالحرية، ورفضهم الانقلاب الغاشم، وحدث زواج غير شرعي بين القضاء والسلطة الحاكمة، تسبب في صدور أحكام بالإعدام الجماعي على علماء مصر ومثقفيها، والتي جعلت قضاءنا الشامخ أضحوكة، بل تعدى الأمر كل الخطوط الحمراء باعتقال بنات وأطفال بتهم واهية.
6) كان هناك مخطط تبنته قوى إقليمية بمساعدة قادة عسكريين بغرض إفشال الدولة الوليدة وإسقاطها، وتوريط القوات المسلحة في الدخول في صدام مع الشعب. وللأسف الشديد، كاد المخطط أن ينجح، وكلف مصر شهداء تجاوزوا السبعة آلاف، ولولا صمود الأحرار في مواجهة الانقلاب، أكثر من عامين، لسقطت الدولة بلا عودة.
وإيماناً منه بدوره في حماية مصر واستمرار التواصل مع الشعب المصري العظيم الذي لم يجد من يحميه من بطش الطغاة، فقد قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة ما يلي:
1) إعفاء القادة العسكريين الذين شاركوا في الانقلاب، وتقديمهم للمحاكمة العسكرية العاجلة.
2) عودة الرئيس محمد مرسي الرئيس الشرعي للبلاد، وتنفيذ المجلس أوامره، ورجوع الجيش إلى ثكناته على الحدود، والابتعاد عن أي أعمال سياسية، وتجريم ذلك.
3) الإفراج عن المعتقلين والمحبوسين في قضايا سياسية، وإن تغلفت بغير ذلك.
4) إعفاء القضاة الذين شاركوا في محاكمة الثوار في الأعوام السابقة من مناصبهم، وترك أمرهم لرئيس الجمهورية.
5) تشكيل لجنة تقصي حقائق، يحددها الرئيس لتحديد كل المسؤولين عن جرائم القتل الجماعي التي تمت منذ الانقلاب وحتى تاريخه، تمهيداً للقصاص العادل من القتلة.
6) استكمال العملية الديمقراطية بتشكيل مجلس نيابي منتخب، على أن تتم إجراءات انتخابه بكل ضمانات النزاهة والحيادية.
إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة من واقع حرصه الشديد على مصر وعلى أبناء شعبنا العظيم يتحمل كل المسؤولية، ويقدم الاعتذار لكل فرد من هذا الشعب العظيم، ويثق في أن الشعب سيقبل هذا الاعتذار، من أجل استقرار مصر وسلامتها، وأمنها القومي.
والله الموفق والمستعان.
انتهى البيان، وقد يراه بعضهم دعوة إلى انقلاب على الانقلاب، أو أنه بيان لن يصدره أبداً مجلس تلوثت يداه بدماء المصريين، ولا يجب التعويل على قادة العسكر، فقد صمتوا على جرائم عظيمة، وشاركوا في إسقاط مصر وضياعها، وأن التعويل يجب أن يكون على الشعب الصامد الذي يجب أن يسترد حريته بيده، وليس بمكرمة عسكرية، وهذه وجهة نظر صحيحة. ولكن، علينا أن نحلم أيضاً بوجود قادة مخلصين شرفاء داخل الجيش، يعملون على إعادة ترميم الصورة الذهنية الضائعة للجيش المصري وقادته.