بول بوجبا.. الحرّيف!

14 يناير 2015
+ الخط -


"إنه فييرا الجديد، يشبهني كثيراً، وأستعيد الماضي من خلال مشاهدته داخل الملعب، سيصبح واحدا من الأفضل في العالم خلال فترات بسيطة، نظراً لما يملكه من مهارات استثنائية وقدرات ذهنية غير عادية". يقول أسطورة الوسط الفرنسية باتريك فييرا هذا الحديث عن الصاعد بسرعة الصاروخ والنجم الأكثر تميزا في سماء الكالتشو هذه الأيام، بول بوجبا، لاعب الوسط الشاب الذي وضع نفسه سريعاً ضمن قائمة "السوبر ستار" في كرة القدم بالقارة الأوروبية.

ويذهب المدفعجي القديم إلى الناحية الفنية، ويصف بوجبا بالديناميكية في التحرك، والقدرة على حيازة الكرة والحصول على الاستحواذ الإيجابي داخل الملعب، مع الوضع في الحسبان الفارق الرئيسي بين الثنائي، إذ إن فييرا أقرب للارتكاز الدفاعي مع قدرة كبيرة على افتكاك الكرات، أما بوجبا فيمتاز بمهارة تقنية أعلى، لذلك يلعب أكثر للأمام وله أدوار هجومية أوضح، مع التركيز على بزوغ نجم اللاعبين مع منتخب الديوك الفرنسية.

مُختلف
لم يستمر بول كثيراً مع اليونايتد، وهرب من دكة الأولد ترافورد إلى معقل السيدة العجوز في تورينو، وهذه الخطوة الجريئة تعبر باختصار عن جانب مهم في شخصية لاعب الوسط، حيث الثقة الشديدة في النفس والاعتزاز بالذات بشكل مبالغ فيه، لأنه أراد لعب عدد كبير من المباريات مع فريق بحجم وقيمة مانشستر يونايتد رغم أن سنه وقتها لم يصل للعشرين، لذلك اختار الرحيل مبكراً والذهاب إلى ناد يعرف قيمته الحقيقية، حيث أيام التألق الذهبي رفقة يوفنتوس.

في سن بوجبا، كان بلاتيني يلعب مع فريق نانسي، أما زيدان فخطا أولى خطواته الكروية مع بوردو، أما اللاعب العصري فحصل على مباريات دولية عديدة مع منتخب بلاده، ولعب دورا رئيسيا في تكتيك الديوك خلال المونديال الأخير، مع تألق واضح في الكالشيو ونجومية تضعه في المراتب الأولى خلال التصنيفات الفنية الدورية. وبعيداً عن المقارنات مع أساطير كرة القدم، بول بوجبا وُلد نجماً حقيقياً منذ نعومة أظافره الكروية.

"يتحدث الناس عني كثيراً، يطلبون مني أشياء كبيرة، وبالطبع هناك ضغط زائد، لكن في النهاية أنا فقط أحاول، وأطمح للأفضل، الأفضل فقط"، هكذا يتحدث بوجبا عن نفسه موضحاً جزءا رئيسيا من شخصيته داخل وخارج الملعب، ألا وهو الرغبة الدائمة في الفوز والسعي المستمر نحو الأفضلية المطلقة.

خاسر سيئ
في مقابلة قديمة مع مابيس ماجاسا، مدرب سابق لبوجبا خلال الفئات السنية الصغيرة في رويسي اون بري، الأكاديمية التي بدأ فيها لاعب يوفنتوس مسيرته الرياضية، يستعيد المدرب ذكرياته مع متوسط الميدان مشيراً إلى أنه خاسر سيئ، بمعنى كُره بول المستمر للخسارة، بسبب لعبه الدائم مع لاعبين أكبر منه في السن، لذلك كان يعاني من تدخلاتهم العنيفة وغرورهم الطبيعي ضد من هم أصغر منهم، وغرس هذا الشعور في اللاعب الصغير رغبة جامحة في تحدي خصومه حتى تحقيق الانتصار.

بوجبا لاعب مهاري، يملك موهبة ربّانية مميزة، لكنه أيضاً يعمل بجد ويتمرن بشكل مضاعف، ولا يعتمد فقط على قدراته الفنية الفذة كما يفعل بالوتيلي خلال مشواره الحالي. وهناك قصة قديمة تؤكد هذه المقولة، بعد طلب المدرب ماجاسا من جميع اللاعبين التلاعب بالكرة لمدة 50 مرة بالقدم اليمنى، اليسرى، والرأس، وفشل بوجبا تماماً في مجاراة الأسماء الكبيرة في فريق الناشئين، ولم ينجح بالاختبار.

لكنه لم ييأس وقضى يومين كاملين مع الكرة، يلعب بها، تلاعبه في أوقات، ويتلاعب بها في أوقات أخرى، حتى عاد إلى التمرينات ونجح في الاختبار، بل تفوق على جميع أقرانه في مهارة التحكم، وهذه الميزة تخدمه كثيراً في الملاعب، نظراً لقوته البدنية الطبيعية التي تمتزج بمهارة تقنية تُترجم إلى ثقة مضاعفة خلال المواجهات المعقدة.

تكتيكي
بوجبا مثال للاعب الوسط الكامل أو فيما يُعرف بالـ Complete CM، وهذه الخاصية غير متوافرة في معظم نجوم الوسط هذه الأيام، نظراً للتخصص الكبير في قواعد اللعبة، مع تقسيم المهام داخل الرقعة التكتيكية إلى عدة خصائص وأركان، حيث يوجد اللاعب القادر على أداء الشق الدفاعي في منطقة الارتكاز أمام رباعي الخلف، بينما ينطلق اللاعب الهجومي إلى الأمام لصناعة اللعب وضرب المدافعين، بينما يوجد لاعب آخر يتحرك أكثر في منتصف الملعب وبالتحديد خلال حيز الدائرة، للربط بين الشق الدفاعي ونظيره الهجومي.

ومن الممكن القول إن الفرنسي الشاب يجيد اللعب في كافة هذه المراكز، وبالتالي يستطيع التحكم في كل أركان منطقة الوسط، على النحو التالي: يمتاز اللاعب بالقدرة على قطع الكرات وعمل العرقلة المشروعة وبالتالي يحمي خط دفاعه من الهجمات المبتكرة في منطقة الارتكاز الخلفي، مع إضافة هجومية واضحة تجعله يجمع بين الواجبات الدفاعية ونظيرتها الأمامية في مركز بوكس تو بوكس.

نتيجة لهذه المقومات، يلعب بوجبا في الوسط الدفاعي والهجومي مع خطة 4-3-3 في المراكز 4،6، 8 من الملعب، بالإضافة إلى انطلاقاته الدائمة على طرف الملعب، وتمركزه كريشة للوسط وليس جناحا صريحا، أي لاعب وسط مائل لليسار يقابله في الجبهة الأخرى لاعب آخر، وبينهما ارتكاز خلفي وآخر أمامي، في رباعية الوسط الأقرب إلى شكل الجوهرة في طريقة لعب 4-4-2.

رقمياً، سجل بوجبا 4 أهداف وصنع 22 فرصة في 15 مقابلة له بالسيريا آ هذا الموسم، مع أرقام مذهلة على صعيد المهارات الدفاعية والهجومية، 29 عرقلة مشروعة، 27 لعبة هوائية صحيحة، 38 مراوغة ناجحة، وكل هذه الإحصائيات تؤكد أمرا واحدا خاصا بالتكامل التكتيكي والفني لبوجبا خلال كافة مراكز الوسط، سواء بالكرة أو بدونها.

حريف
أسماء قليلة هذه الأيام هي من تجبرك على الذهاب إلى "يوتيوب" من أجل تشجيع مقطع كروي لها، وبول بوجبا واحد من هؤلاء الذين يستحوذون على حيز غير قليل من آهات وانبهار الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لأهدافه البديعة ومهاراته غير العادية وبراعته في هزيمة أعتى المدافعين، لذلك كما امتاز النجم الشاب بالقدرة التكتيكية والناحية البدنية، فإنه أيضاً لاعب استعراضي بامتياز.

يلعب بوجبا بكلتا قدميه، ويستطيع التمركز في أضيق الفراغات داخل الملعب، ويتمتع بملكة خاصة تؤهله لطلب الكرة رغم أنف أي موقف صعب، لذلك ينطلق بوجبا كالسهم من الوسط إلى الهجوم، يمر من الجميع ويضع الكرات كما يقول الكتاب، إما في المرمى بشياكة وأناقة، أو لزملائه على طريقة التمريرات الساحرة الخاطفة غير المتوقعة.

ليس هذا فقط، بل يترك العمق ويذهب إلى الخط، يستلم تحت الضغط ويلعب دور المحطة في امتصاص غضب المنافسين، مع خلق الطرق أمام القادمين من الخلف، سواء الظهيرين أو رفاق الوسط، لذلك تتحول خريطة بوجبا الحرارية بعد أي مباراة إلى ما يشبه تحركات الأخطبوط، لما يقدمه اللاعب في كل شبر داخل المستطيل الأخضر.

"لم أصبح شيئا بعد، ما زلت في بداية طريقي، أنظر حولي وأرى بوفون، بيرلو، فأتعلم منهما وأدرك أن طريق الأبطال يحتاج إلى العمل المستمر"، كانت هذه كلمات الحريف الذي يستطيع أن يكون ضمن الأفضل، إذا قام بتحويلها إلى أفعال في قادم الأيام.

المساهمون