بوزيد حرزالله: تقليم أظافر العزلة

بوزيد حرزالله: تقليم أظافر العزلة

14 يناير 2015
+ الخط -

لا يسافر بوزيد حرزالله (1958) كالآخرين. محطاته تدحرجه إلى اتجاهات تشبهه، حتى يرتاح في قلب الإنسان: "أنت من يهب القصيدة نشوة الكأس الأخير، فهل ستجمعني إذا عصفت ظنوني؟". من اللغة العربية، يسافر الشاعر الجزائري إلى اللغة الفرنسية، عبر مجموعته الشعرية الجديدة، "بسرعة أكثر من الموت"، التي نقلها إلى لغة موليير المترجم عبد السلام يخلف، وصدرت عن دار "لارماتان" الباريسية.

يكاد الإحساس بالعزلة/ الغربة عند حرز الله، أن يكون كاتب النص، فالمكان لم يعد المكان، والطفولة جُرّدت من حقها في تلوين الحاضر، وهذا امتد إلى اللغة نفسها، فباتت خانقة ومخنوقة، لا تمنح كائنها ما يلملم شظايا كينونته: "ثم ألوذ بالكهف أُزكّي فضاءً يُبدِّد ما في القصيدة من عتمة". هذا الكهف ليس كهفاً، بل حضناً أو وجهاً أو مكاناً.

تتكرر مفردة السحر في المجموعة الشعرية، التي صدرت طبعتها الأصلية عن داري "الحكمة" في الجزائر و"العين" في مصر، مشيرة إلى شغف الشاعر بحقيبة أسفاره. فهو لا يقيم حتى يرحل، ويرحل وهو يتمنى ألا يقيم، لعله الهروب أو لعلها الرغبة في أن تتوزعه الأمكنة.

أكثر من مكان مغربي تسلل إلى قصيدة بوزيد، في اقتصاد لغوي يدل على أن الشاعر قبض على لحظة المكان، فأطلقها في ومضة. أما باقي التفاصيل فيعيشها ولا يكتبها، مُحتفظاً بذكراها. تشترك هذه الأماكن في كونها هامشية، تسمى الضواحي في قاموس السياسة والإعلام، لكنها، وهي تسكن ومضات حرز الله، تتحول إلى سماوات من البهجة.

ليس هناك مكان مهم وآخر هامشي في منطق الشعر، فقط هناك مكان يملك أسراراً وآخر لا يملكها أو يبخل بها. الأطلس المتوسط وهو يجعل الندم يسلخ جلد الفكرة، و"آزرو" وهي تطرح نفسها فاجعة هذا الأطلس، و"تيغسّالين" وهي تغسل ساقيها في نهر الرعشة، و"الخنيفرة" وهي تنزع عن البشر أقنعتهم، و"مريرت" وهي تطهر إنسانها بصلصالها، و"وادي أم الربيع" وهو يغسل قلوب الرعاة بالحليب.

يعلن الشاعر تبرّمه من الأشكال القديمة للشعر: "إنه الوزن يفرض ما لا أريد أن أبوح به من "قفا نبك"، من لغة لا أراها تطال القلق"، لكنه، رغم ذلك، أقحم نصوصاً تلبس هذه الأشكال في الديوان، وهو الإقحام الذي يشوّش على انسجامه الجمالي، وأفقه المنحاز إلى الشك والأسئلة: "أخطأت كثيراً، فلا تسامحوني وما بين قوسين ليس أخيراً".

المساهمون