بوح

بوح

09 أكتوبر 2018
إنستاغرام (آيتاك أونال/ الأناضول)
+ الخط -
أيّ حديثٍ عن وحدةٍ أم علاقات أم أطفال أم اكتئاب، فيه شيء منّا. والقارئ، إن كانت الحشرية إحدى صفاته، فسيسعى إلى شخصنة كلّ ما هو عام، أو كل ما يخرج إلى العلن. الكتابة عن الاكتئاب تعبير عن حياة كئيبة يعيشها كاتب المقال أو النص، كما الكتابة عن السعادة أو الحب.

ثمّة اختلاف بسيط في حياتنا اليوم، إذ بات "الشخصي" عاماً. "بوست" على فيسبوك يكشفنا كما الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي. سيفتقدنا من اعتاد علينا نكتب ونحكي وننشر صوراً عن حياة كاملة ومتكاملة. وقد يسألون عنا وقد نردّ على المواقع نفسها حين نستردّ عافيتنا.

كنّا في حالة اكتئاب وقد عرفوا ذلك لأنه ما من تفاصيل شخصية. العلاقات والزواج والانفصال والمزاج والصحة لم تعد تفاصيل خاصة، بل هي ملك عام، إلّا في حال قرّرنا إلغاء كلّ حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، والعيش مع قلّة، هم أولئك الذين نلتقيهم في يومياتنا من حين إلى آخر، ونتحدث إليهم في ما هو عام وخاص.

كما أنّه لدى كثيرين، هذا الميل إلى البوح. والخصوصية باتت نوعاً من العزلة أو الوحدة التي نخشاها. والموت غالباً ما يلي تفكيرنا في الوحدة. كأنّه علينا "جمع" ما يكفي من الناس حولنا حتى لا نودّع الحياة وحيدين. نبحث عن تفسير جديد لعصرٍ لم يُخرجنا من عزلةٍ بل من خصوصية، من مزاجٍ يخصنا وحدنا. ونحن لا نعرف إن كنّا نريد مشاركة حياة خاصة أم لا.

الدراسات باتت تقرأ أبعد ممّا يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. ومعظمها تُفيد بأنّ حياة الناس ليست جميلة كما يُظهرونها، وليست مليئة بكل هذا الحب أو التفاصيل أو الذكريات الجميلة. هذه مجرّد محاولات للخروج من الذات.

هذه الذات التي لا تعرف نفسها ولا تعرف الحياة من حولها. ثمّ تستنتج أنّ الحياة قاسية ومُرهقة ومُقلقة وقد قست عليها كثيراً، حتى أرادت التخلّي عن نفسها.



اكتئاب؟ ومن لا يعاني من مرض العصر هذا؟ إذا ما قال أحدهم خجلاً إنه يتناول أدوية مضادة للاكتئاب، سيردّ آخر، لطالما ظهر في صورة قويّة وسعيدة، أنه يتناولها أيضاً. عادي. إنها لزوم الاستمرار في حياة فقد الإنسان اليوم لغة التواصل معها. التغيّرات أسرع من كليهما.

خصوصيّتنا هي كلّ هذه الأفكار التي تأتينا ليلاً والتي لا نستطيع السيطرة عليها. هي التي تحرمنا النوم وإن تناولنا تلك "الحبّة" السحرية، هي مشاهد قديمة تحضر وكأنّها الآن... مشهد يعقبه مشهد. والليل، بمعظمه، لتلك التفاصيل القاسية. لكنّنا على وسائل التواصل الاجتماعي، سننشر صورة قديمة من يوم جميل، ونتحدث عن حياه جميلة وبسمة وأمل.

المساهمون