بوادر تهدئة أميركية إيرانية

بوادر تهدئة أميركية إيرانية

13 سبتمبر 2019
دعم داخل الإدارة الأميركية لفكرة تخفيف العقوبات (Getty)
+ الخط -
فيما انعكس خروج جون بولتون من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انخفاضاً حذراً لحدّة الخطاب بين الولايات المتحدة وإيران، خصوصاً لجهة تراجع احتمالات التصعيد العسكري، عادت حظوظ المبادرة الفرنسية لاحتواء التوتر مع إيران لترتفع وذلك مع اقتراب موعد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والحديث عن لقاء محتمل بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني.

وفي هذا الإطار، صبّ ما كشفه موقعا "بلومبيرغ" و"ديلي بيست" أمس الخميس وأول من أمس الأربعاء، عن توجه ترامب لدراسة تخفيف العقوبات على إيران، وانفتاحه على خطة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتقديم 15 مليار دولار خطوط ائتمان لطهران، في خانة السياسة الأميركية في مواصلة اتباع سياسة العصا والجزرة مع الجمهورية الإيرانية، والتي تبقى تحت سقف التصعيد العسكري، خصوصاً أنه في موازاة هذه "التسريبات" يستمر المسؤولون الأميركيون في التأكيد على التمسك بسياسة "الضغوط القصوى" على إيران، والتي ترفض الأخيرة أي لقاء بين روحاني وترامب من دون رفعها. 

وبعد يوم على كشف موقع "بلومبيرغ" أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ناقش تخفيف العقوبات على إيران، لتأمين لقاء يجمعه بروحاني خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي، ما دفع مستشاره للأمن القومي (المقال لاحقاً) جون بولتون للاعتراض بقوة على خطوة كهذه، قالت صحيفة "ديلي بيست" أمس إن ترامب أبدى أخيراً، انفتاحاً على خطة نظيره الفرنسي بتقديم 15 مليار دولار خطوط ائتمان لإيران، مقابل عودتها إلى الالتزام بالاتفاق النووي.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مصادر مقربة من المحادثات بين ترامب وماكرون، أنّ مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية، بمن فيهم الوزير مايك بومبيو، منفتحون أيضاً على المقترح الفرنسي. وكان موقع "بلومبيرغ" نقل في تقريره أن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أبدى دعمه لتخفيف العقوبات على إيران، لكن الأخير أعلن أمس لشبكة "سي أن بي سي" أن حملة الضغوط القصوى مستمرة، وهو موقف تتوافق عليه حتى الآن معظم دوائر القرار في الولايات المتحدة، وإن لا خطط للقاء بين ترامب وروحاني.

وبحسب مصادر "ديلي بيست"، فإنه على الرغم من أنّ ترامب لم يبد موافقته على المقترح الفرنسي حتى الآن، إلا أنّه أظهر استعداداً للتعاون بشأنه في مناسبات عدّة، في شهر أغسطس/آب الماضي، بما في ذلك أثناء اجتماعات مجموعة دول السبع التي عقدت في فرنسا.

وأوضحت الصحيفة أنّ مسؤولين أجانب يتوقعون أن يوافق الرئيس الأميركي على التعاون بشأن هذا المقترح، أو أن يعرض تخفيف بعض العقوبات على طهران، مشيرة أيضاً إلى أنه يدرس عقد لقاء مع روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وقالت "ديلي بيست" في تقرير نشرته على موقعها إنه مقابل المال الذي يقترحه ماكرون لتعويض إيران عن مبيعاتها الضائعة من النفط، سيكون على الأخيرة العودة للالتزام بالاتفاق النووي والموافقة على عدم تهديد الأمن في مياه الخليج أو إعاقة حرية الملاحة فيها. كما سيكون عليها الالتزام بمحادثات سلام للشرق الأوسط في المستقبل. وقالت مصادر عدة للصحيفة إن المسؤولين الغربيين يتوقعون أنه إما أن يوافق ترامب على التعاون مع الخطة الفرنسية أو يعرض تخفيف بعض العقوبات المفروضة على طهران.

وكان الرئيس الأميركي قد رأى أول من أمس في حديث للصحافيين في البيت الأبيض أن تخصيب إيران لليورانيوم، في إطار التقليص التدريجي الذي تتبعه لالتزامات الاتفاق النووي، "سيكون خطيراً جداً عليها"، في حين بقي موقفه ملتبساً حيال القضية المتمثلة في احتمال رفع العقوبات تمهيداً لاجتماع مع روحاني. وقال ترامب "لا يمكننا السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية. سيكون التخصيب خطيرا جداً عليها". ولدى سؤاله عن رفع جزئي محتمل للعقوبات، أجاب "سنرى، سنرى"، معرباً عن اعتقاده بأن إيران "لديها إمكانات مهمة"، ومعرباً أيضاً عن أمله في "التوصل الى اتفاق". وأعاد ترامب تأكيد اقتناعه بأن طهران "ترغب في التوصل إلى اتفاق". وعندما سُئل إن كان يتطلع لاجتماع مع روحاني، قال ترامب إنه "لا يتطلع لأي شيء".

من جهتها، لا تزال طهران ملتزمة في تصريحاتها الرسمية برفض أي فكرة للقاء محتمل بين روحاني وترامب دون رفع العقوبات. وقال الرئيس الإيراني لنظيره الفرنسي في اتصال هاتفي مساء الأربعاء إن "لا معنى" لمحادثات مع الولايات المتحدة ما لم ترفع عقوباتها عن الجمهورية الإسلامية، وذلك بعد إعلان البيت الأبيض الثلاثاء أن ترامب على استعداد للقاء روحاني من دون شروط. وقال روحاني إن "إيران، حكومة وبرلماناً وشعباً، ترى أن لا معنى ولا مفهوم للتفاوض مع أميركا في الوقت الذي لا تزال إجراءات الحظر قائمة"، بحسب الموقع الإلكتروني للحكومة ووكالة "إرنا". وأضاف "في حال تم التوصل الى اتفاق نهائي مع أوروبا، فنحن مستعدون للعودة إلى التزاماتنا النووية، وإن اجتماع إيران ومجموعة 5+1 يكون ممكناً فقط في ما لو تم رفع الحظر بكل أشكاله". بدوره، قال المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إنه "ما لم تكفّ أميركا عن إرهابها الاقتصادي ضد إيران، فإن مسألة التفاوض معها غير واردة".

إلى ذلك، حاولت تل أبيب أمس التقليل من أثر مغادرة بولتون لمنصب مستشار الأمن القومي الأميركي، على موقف الإدارة الأميركية المتشدد حيال إيران منذ مجيء ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يخفى أن مغادرة بولتون تمثل انتكاسة لإسرائيل، لما تشكله آراؤه الداعية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وإنزال أقصى العقوبات على قيادتها، من تناغم مع موقفها.

وقال وزير المالية الإسرائيلية موشيه كحلون، أمس، إن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى أكد له أنه لن يطرأ أي تغيير على سياسة العقوبات الأميركية ضد إيران. وأوضح كحلون أنه أنهى "اجتماع عمل مع وكيل وزارة الخزانة الأميركية سيغال ماندلكير في تل أبيب"، مضيفاً عبر تويتر أن الأخير أكد له "عدم وجود أي تغيير في سياسة العقوبات ضد إيران، وأنهم سيستمرون بذلك بكامل قوتهم على عكس ما ذكرت التقارير الإعلامية".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هوّن الأربعاء من إقالة بولتون، متوقعاً أن تواصل واشنطن التمسك بنهج متشدد إزاء إيران. وقال نتنياهو للقناة 20 في التلفزيون الإسرائيلي إن "الشخص الذي صاغ رسمياً السياسة الأميركية كان بومبيو، والرئيس ترامب بالطبع. لكنني لا أخوض في التغيرات الشخصية في هذه الإدارة". وكانت طهران استقبلت رحيل بولتون بتقديم النصح للولايات المتحدة بتجنب "دعاة الحرب".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون