بهذه المقومات العسكرية تصمد الغوطة الشرقية

بهذه المقومات العسكرية تصمد الغوطة الشرقية

10 مارس 2018
بظلّ غياب مضاد للطيران لا سلاح نوعياً بالغوطة(عمّار البوشي/الأناضول)
+ الخط -
لا يرغب المطلعون عن كثب على الأوضاع العسكرية داخل الغوطة الشرقية التي تتعرض للإبادة بمعناها الحرفي منذ 25 فبراير/ شباط الماضي، بتقديم أي مبالغة حول مقومات واحتمالات صمود مقاتلي فصائل المعارضة وحاضنتهم الشعبية. فالإبادة أكبر من أن توصف بالكلمات، والخسارة واردة في ظل انعدام موازين القوى بين جيوش عالمية تواجه بضعة آلاف من مقاتلي المنطقة، وهم من أبنائها جميعهم، في ظل صمت عالمي هو شريك بالمجزرة بالمعنى الإنساني والسياسي. لكن بكيلومتراتها المئة المربعة، وبنصف المليون من سكانها الصامدين بعدما كان عددهم قبل حصارها يناهز ضعف هذا العدد، تبدو مقومات صمود هؤلاء، خصوصاً المقاتلين منهم، أفضل بكثير مما يحلو لإعلام النظام السوري وحليفيه في المجزرة، روسيا وإيران، تصويره، لتبدو الغوطة اليوم وكأنها تقدم نفسها فعلاً على أنها ستالينغراد سورية، التي خسرت كل شيء على يد النظام ومعسكره، فقررت عدم انتظار أي دعم والمواجهة بقدرات ذاتية تبدو، رغم كل شيء، مقبولة جداً.

ورغم وضع النظام وروسيا كل ثقلهما العسكري في حربهما على الغوطة الشرقية واعتمادهما شتّى أنواع الأساليب، والأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، في سبيل السيطرة على المنطقة وإجبار من تبقّى من سكانها على القبول بتهجيرهم، إلا أنّ الغوطة الشرقية تتمتّع بمقومات صمود على الصعيد العسكري قد تؤدي إلى قلب الطاولة على النظام وروسيا، في حال استطاعت فصائلها العسكرية الاستفادة من عامل الوقت، الذي يؤكّد معظم الخبراء العسكريين أنه في صالحها.

ويسيطر في منطقة الغوطة الشرقية عدد من الفصائل العسكرية، أهمها "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، اللذين يزيد عدد مقاتليهما عن 20 ألف مقاتل، بحسب عدد من المحللين العسكريين. ويأتي في المرتبة الثانية كل من فصائل "حركة أحرار الشام" و"جيش الفسطاط" اللذين لا يتعدى تعداد عناصرهما بضعة آلاف، فيما يوجد نحو مئتي عنصر من "هيئة تحرير الشام" الذين عرقلت روسيا خروجهم. ويتمتّع مقاتلو فصائل الغوطة بتدريب وتنظيم جيّد، بالإضافة إلى تكيّفهم مع أجواء الحصار المفروض على مناطق الغوطة الشرقية منذ خمس سنوات، حيث أعدّوا دفاعاتٍ وتحصيناتٍ لمواجهة الحملات العسكرية ضدّ مناطقهم.

ويعتبر "جيش الإسلام" أكبر فصائل الغوطة الشرقية، ويقدّر عدد عناصره بنحو 12 ألف مقاتل. تتمركز مناطق سيطرته في القطاع الشمالي من الغوطة، ومركزه دوما؛ وتتوزع جبهات هذا الفصيل من شرق القطاع الشمالي حتى غربه، أي على امتداد الجبهات الشرقية التي كانت مركزاً لعمليات النظام العسكرية خلال الأسبوع الأخير، وحتى غرب الغوطة بالقرب من أوتوستراد دمشق - حمص الدولي.

أمّا "فيلق الرحمن"، الذي يأتي بعد "جيش الإسلام" من حيث العدة والعتاد، والذي يقدّر عدد عناصره بنحو ثمانية آلاف مقاتل، فإن مناطق نفوذه والجبهات التي يتواجد فيها، هي في القطاع الأوسط للغوطة وصولاً لجنوبها الغربي، وإلى مدينة زملكا وحي جوبر، شرق العاصمة دمشق. ويتركّز وجود مقاتلي "حركة أحرار الشام" بشكل خاص في جبهات منطقة حرستا، التي تشرف بشكل مباشر على أوتوستراد دمشق - حمص الدولي.

ويكشف الناطق العسكري باسم "الجيش السوري الحر" سابقاً، أسامة أبو زيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "عملية الصمود في الغوطة الشرقية تتعلق بشقّين: الأول وهو العامل "المادي" المتعلّق بكمية المواد الإغاثية المتوفرة والمؤن المخزّنة، والتي  يمكن من خلالها أن تصمد الغوطة لأشهر عدة، والثاني وهو المعنوي والأهم، والذي يتفوّق على الشق الأول، ويتعلّق بحجم القوة النارية المستعملة من قبل قوات النظام ضد المدنيين من جهة، وبطريقة تعاطي من هم خارج الغوطة من منظمات مدنية وإغاثية ودول المجتمع الدولي، مع ما يتعرّض له المدنيون في الغوطة الشرقية، من جهة ثانية.

وحول طبيعة السلاح الذي تملكه فصائل المعارضة في الغوطة، أشار أبو زيد إلى أنّ "هناك أسلحة تعتبر نوعية، من حيث فاعليتها، بالإضافة إلى أن هناك تصنيعاً محلياً أيضاً للأسلحة"، لكنه أوضح أنّ "الأسلحة التي تعتبر نوعية، مثل مضاد الدبابات، تصبح غير نوعية تحت تأثير الكثافة النارية وحجم السلاح المستعمل من قبل النظام"، مضيفاً أنّه "في ظلّ غياب مضاد الطيران لا يوجد سلاح نوعي في الغوطة".

وأشار أبو زيد إلى أنّ "السلاح الذي يصنع في الغوطة الشرقية هي قذائف المدفعية والهاون، والألغام المضادة للدروع والدبابات، بالإضافة لصناعة الذخيرة الخفيفة والمتوسطة، والتي تمكّنت الفصائل عبر سنوات الحصار من تصنيعها محلياً وضمن الإمكانيات المتاحة"، موضحاً أنّ هذه الأسلحة "تعتبر جيّدة لناحية الفعالية".


وقد تمكّن المسلحون المعارضون في الغوطة عبر سنوات الحصار من حفر أنفاق وملاجئ تحت الأرض، منها ما هو ملاجئ خاصة بحماية المدنيين من القصف، إضافة إلى عدد كبير من الأنفاق التي أنشئت لأغراض عسكرية، فطبيعة الغوطة الزراعية وتوزّع سكنها بشكل أفقي، دفع معظم سكانها لحفر ملاجئ تحت الأرض بالقرب من بيوتهم من أجل الاحتماء من قصف الطائرات. كما أن الفصائل العسكرية قامت بحفر العديد من الأنفاق من أجل إيجاد تواصل آمن بين نقاطها العسكرية وحتى بين بعض المدن والبلدات.

وبالنسبة للأنفاق التي حفرها المقاتلون المعارضون في جبهات الغوطة لأغراض عسكرية، قال أبو زيد إن تلك الأنفاق "سيكون لها دور كبير في عملية صمود الغوطة، خصوصاً في عملية الكر والفر مع قوات النظام"، موضحاً أنّ هذه الأنفاق "ستلعب دوراً كبيراً، في حال تمكّن النظام من فصل الغوطة إلى شطرين، في إيجاد تواصل بين المناطق، كما سيكون لها دور كبير في نصب الكمائن للنظام".

وبالنسبة لمعارك الاستنزاف التي قد تدخل فيها الغوطة الشرقية، رأى أبو زيد أن "المقاتلين في الغوطة أقدر على الصمود من قوات النظام. وفي حال تمكنوا من إطالة أمد المعركة، فإن ذلك سيكون آلة ضغط على المجتمع الدولي وروسيا خصوصاً، التي لن تستطيع الاستمرار في اجتياح الغوطة في ظلّ تصاعد الضغوطات الدولية"، مشيراً إلى أنّ حجم الخسائر التي مني بها النظام في الغوطة "تثبت أن الفصائل على الأرض أقوى، لكنّ القدرة النارية التي استخدمتها روسيا بكثافة، كان لها دور في تراجع الفصائل، ذلك لأنّ الدفاعات التي أقاموها، على الرغم من مناعتها، إلّا أنها لم تصمد في وجه القوة النارية الروسية، التي لم يتم استخدامها في مكان آخر من قبل".

وحول استعدادات المقاتلين لاحتمال هجوم كيميائي من قبل قوات النظام، أكّد أبو زيد أنّ "الفصائل في الغوطة لديها تجهيزات تتعلّق باحتمال وقوع مثل هذا الهجوم، وهو ما حصل في العديد من الجبهات"، لكنه أوضح أنّه "لا توجد تجهيزات تحمي المدنيين من أيّ هجوم كيميائي يقوم به النظام، في ظلّ الكثافة السكانية، وهو ما يهدد بكارثة في حال حصوله".

وفي السياق نفسه، أكّد المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ فصائل الغوطة "اتخذت إجراءاتها واحتياطاتها لأي هجوم محتمل منذ سنوات، إلا أنّ المشكلة حالياً أنّك تتعامل مع طيران يُسقط كتلاً نارية غير طبيعية، سواء عبر الصواريخ التي تقصف من خلال الطائرات، أو عبر استهداف المدنيين بالنابالم والفوسفور، أو القصف براجمات الصواريخ والمدفعية أو عبر الدبابات"، موضحاً أنّ ما سقط من قذائف على الغوطة "جعل من كل متر مربع من كل مساحة الغوطة، يتلقّى أكثر من قذيفة".

وأوضح رحال أن المنطقة الشرقية والجنوبية الشرقية من الغوطة "هي منطقة مكشوفة كونها أرضاً زراعية، ولا توجد فيها كتل سكنية أو كتل إسمنتية يمكن أن تشكّل نوعاً من الحماية على الأقل للأفراد، وهذا الأمر يؤثر على الحاضنة الشعبية، فالمقاتل لديه حسّ ولديه عاطفة، فالناس الذين خلفه هم أهله. لهذا فالوضع صعب جداً، وخصوصاً أنه في ظلّ الكثافة النارية المستخدمة، لا تحصينات قادرة على الصمود ولا خطوط دفاعية، هذا بالإضافة إلى أنّ توزيع الجبهات قد يكون غير مدروس بشكل جيّد بسبب كثافة النيران غير الطبيعية التي تنهال على الغوطة".

وأشار رحّال إلى أنّ المشكلة في الغوطة "ليست مشكلة مواجهة عسكرية وجهاً لوجه، كي نقول ما قدرة الفصائل على الصمود، فكلّنا يذكر معركة حلب، إذ كانت كميّة السلاح التي سُلّمت تكفي للصمود مدة ستة أشهر، ولم يكن الانسحاب نتيجة ضعف، وإنما كان بسبب ضرب الحاضنة الشعبية وقطع سبل الحياة. وهذا السيناريو الذي اعتمده الروس في حلب ويُعتمد الآن في الغوطة هو نفسه سيناريو غروزني، والهدف منه إيصال الغوطة لمرحلة تضغط فيها الحاضنة الشعبية على الفصائل، بسبب استهداف المدنيين بالقصف وتقطيع أوصال الحياة ومنع الإغاثة وكذلك منع الخروج من الملاجئ".

لذلك، المراهنة هي ليست على صمود العسكريين، لأن لديهم إمكانيات وأسلحة، ولديهم إرادة صمود، ولكن المراهنة هي على مدى قدرة أهلهم المدنيين على الصمود أمام هذه الكثافة النارية، وهم في آخر كلام قالوه إنهم قرروا البقاء صامدين ولن ينسحبوا مهما فعل النظام وروسيا وإيران ومهما كلّف هذا الأمر.