Skip to main content
بن مرزوق.. تكعيبي من "مدرسة تونس"
رشيد الحسني ــ تونس
جزء من إحدى لوحات المعرض

بعد غياب طويل عن وطنه دام نحو أربعين سنة، يعود الفنان التشكيلي التونسي محمد مرزوق من مقر إقامته في مدينة ساو باولو البرازيلية ليقدِّم معرضه الشخصي بعنوان "فنان تكعيبي من مدرسة تونس". معرضٌ يحتضنه رواق "صلاح الدين" في سيدي بوسعيد، يتضمن 22 لوحة من الحجم المتوسط تغطي مراحل مساره الفني، منذ الرسوم الأولى في السبعينيات بموطنه مدينة المحرس وحتى الأعمال المستلهمة من الثورة التونسية والحراك العربي.

مرزوق الذي يُعرف اختصاراً باسم "بن مرزوق"، قال لـ"العربي الجديد"، في إجابة عن سؤال يتعلق بتقسيم لوحته عمودياً وعرضياً إلى عدة مشاهد، إن ذلك يعود بالأساس إلى حياته المقسّمة بين البلدان. فكلما أقام بمكان اقتُلع منه أو هبّت به رياح الترحال.

في البداية تنقّل بين مدن الجنوب والوسط التونسي، من المحرس موطنه الأصلي إلى صفاقس ثم سوسة، قبل أن يغادر بلاده ويستقر في بلجيكيا للدراسة في "المدرسة الملكية للفن" في بروكسل. بعد ذلك، حوّل وجهته إلى البرازيل التي واصل فيها دراسته في مجال الفن التشكيلي. وفي مدينة ساوباولو، أقام مرسماً له وشرع في تنظيم سلسلة من المعارض بأشهر الأروقة في المدن البرازيلية. ثم شد الرحال إلى عدد من الأروقة في الولايات المتحدة الأميركية وتركيا والهند.

من مدرسة "إسكولا باوليستا دي بالا أرتيس" كانت انطلاقته الفعلية، حيث اشترك في عدة ورشات للرسم الزيتي. هناك اختمرت في ذهنه عوالم جولاته الأوروبية وتداخلت بالإيقاع البرازيلي وفتنة الألوان النيّرة، كما اندمجت في ريشته انخطافاته وانشداده القوي لأعمال جورج براك وبابلو بيكاسو وتولوز لوتريك وهنري ماتيس وبول سيزان.

وفي الوقت ذاته، تبدو لطخات مرزوق على القماشة وفية لأعمال كبار الفنانين التشكيليين التونسيين في "مدرسة تونس" التي أسّسها الرسام الفرنسي بيار بوشارل عام 1936 والتحق بها العديد من الرسامين، مثل صفية فرحات والهادي التركي والزبير التركي وعبد العزيز القرجي وعلي بلاغة.

يحلو لبعض النقاد وسم مرزوق بالفنان التكعيبي نسبة إلى المدرسة التكعيبية التي اعتنت بالخطوط في توجهاتها من خلال التشكيلات الهندسية، سيما شكل المكعب الذي يحيل بوجوهه الستة إلى الحقيقة في أبعادها التامة. من هنا جاءت فكرة ضرورة تكسير وتشظية المشهد عبر تقويض الشكل الخارجي أو ما يعرف بـ "الصورة المرئية".

ففي لوحة "بوغطاس"، يرسم مرزوق طائراً يشبه الخطّاف، يكرره في فضاء اللوحة المسندية بشكل لافت، محاولاً رسم مزق من الذاكرة وشتات من واقعه. وفي لوحة "المحرس 3"، يختصر أهم معالم مدينته الأم الماثلة إلى اليوم، بما فيها العمارات القديمة التي فجّرتها أيادي الترميم بدعوى التحديث والتوسع الحضري. في المقابل، نجد فرس الطفولة الأبيض الذي رسمه الفنان في بداياته يصبح فرساً أخضر من خلال رمزية مثلى لثورة الشعب التي أطاحت بالدكتاتورية.

أما "قبلة كليمت" الممهورة باللون الذهبي، والحاضرة في رواق "صلاح الدين"، فأرادها الفنان تحية منه للفنان النمساوي غوستاف كليمت ورائد مدرسة "الانفصال" التي تنادي بضرورة البحث عن الحقيقة وإظهارها عبر خلخلة الحجب وتخطّي "الخجل النفسي".

من جهة أخرى، لم تغادر فتنة اللغة العربية وروح الإبداع العربي مخيّلة مرزوق وهو في الغربة. وفي هذا السياق، أنجز لوحة حول جبران خليل جبران في ذكرى وفاته الـ 125، حاول فيها تلخيص أهم الجوانب المضيئة في حياته.

يتذّكر مرزوق جيداً تأثّره حين أمر ملهمه الأول، الرسام الزبير التركي، بتعليق إحدى رسوماته في قاعة فرحات بالبلماريوم، في بداية السبعينيات، جنباً إلى جنب مع لوحات مشاهير "مدرسة تونس". وها هو اليوم يعود إلى بلده محمّلاً بعشرات اللوحات ومتأثّراً بالحفاوة التي استُقبل بها.