بمناسبة سيارتين مصفحتين للباجي السبسي

بمناسبة سيارتين مصفحتين للباجي السبسي

11 اغسطس 2014
+ الخط -


أثارت هديّة دولة الإمارات سيارتين مصفحتين إلى رئيس حزب نداء تونس، الباجي قائد السبسي، سيلاً من الشكوك والريبة في دور الإمارات في تونس، وفي علاقتها بدعم الثورة المضادّة، ومحاولة استنساخ النظام القديم في ثوب حزب السبسي، حتى إن بعضهم تساءل ما إذا كانت تونس ستصبح الإمارة الثامنة؟

قبل الثورة التونسية، وفي عهد المخلوعين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ومنذ تأسيسها في فبراير/شباط 1971، لم يكن للإمارات أي تدخّل واضح في شؤون الدول الشقيقة والصديقة، بل إنها لا تكاد ترفع صوتها عالياً أمام إيران، منذ أعلن الشاه محمد رضا بهلوي، في 16 فبراير/شباط 1971، عن احتلاله الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى.

ولم يكن التونسيون قد سمعوا بهذه الدولة الشقيقة، إلاّ من خلال عقود العمل التي تأتيهم سنوياً، فاقتصادياً تحتل الإمارات المرتبة الثالثة والعشرين عالمياً، وتحتاج عمالة كثيرة، إلاّ أن المسألة تغيّرت جذرياً بعد الثورة، فأصبح التونسيون يخشون هذه الدولة الشقيقة، ويرتابون في دورها الحقيقي في المشهد السياسي التونسي، وحتى الأمني منه.

في السياسة، كان تدخّل الإمارات في الشأن التونسي مستهجناً من حيث طبيعته، ففي 28 سبتمبر/أيلول 2013، استدعت الإمارات العربية المتحدة سفيرها في تونس، احتجاجاً على دعوة الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، إلى الإفراج عن الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، واعتبرت صحف إماراتية تصريحات المرزوقي "تدخلاً فجاً وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر". ولكن، ما معنى تدخّل الإمارات في الاحتجاج على المواقف التونسية من دولة أخرى، وليس منها هي؟

وليس هذا فقط، ففي يوليو/تموز 2013، تمّ القبض على ثلاثة إماراتيين مع مجموعة من مؤسسي حركة تمرّد التونسية، وفي حوزتهم أموال طائلة، وطرح سؤال، آنذاك، عن دور الإمارات في تحضير انقلاب في تونس، واستنساخ ما حدث في مصر بالضبط، إلاّ أن المؤسسة العسكرية التونسية وقفت على الحياد، كما تمكن علي العريض من تعطيل الدور المحتمل للأمنيين الفاسدين.

وأمنيّاً، تحقق وعد ضاحي خلفان الذي أكّد أنه سيسقط حركة النهضة من الحكم في سنة ونصف، ابتداء من وعده، ما طرح أيضاً أسئلة عديدة عن دور الإمارات في تغذية الصراعات الداخليّة في تونس، وفي الأموال الطائلة التي كانت توزّع على "البلطجيّة"، لبث الفوضى وضرب الاقتصاد لإسقاط حكومة الترويكا، وغير ذلك مما يأتي عليه حديث العامة، ولا ينقله الإعلام غير المحايد.

ومّما يزيد من الشبهات حول دور الدولة الشقيقة ارتباطها بحزب نداء تونس الذي ولد فجأة، وفي ظروف غامضة، لإحياء نظام المخلوع زين العابدين بن علي. فقد فتحت الإمارات خزائنها للباجي قائد السبسي، وسخّرت له طائرات خاصّة لتنقله، وأهدته سيارتين مصفحتين، في تحدّ صارخ للدستور التونسي الذي يمنع على أي زعيم سياسي قبول هدايا مباشرة أو غير مباشرة من أطراف خارجية.

الهدّية الأخيرة أفاضت الكأس عن دور الإمارات في تونس، وأسالت ردودا كثيرة لائقة وغير لائقة، فما الذي فعله الشعب التونسي حتى تسخّر الإمارات أموالاً لسحق التونسيين، ولتغليب طرف على آخر؟ ثمّ ما الذي تغيّر، حتى تتخذ الإمارات هذه المواقف غير المتوازنة لصالح فصيل، من المفترض أن الثورة قامت ضدّه؟ والأهم، هل فعلاً أن الإمارات على علاقة بالإرهاب "المضحك والسخيف" الذي يحصل في تونس؟

كلّ ما حصل أن فصيلاً سياسياً، اسمه حركة النهضة، ينتمي إلى الإسلام السياسي، حكم تونس، ما بعد الثورة، وإن دولة الإمارات تشترك في حملةٍ أمميّة لإسقاط الإسلام السياسي وإفشاله، مهما كلّف الأمر من أموال ودماء. ويبقى السؤال، ماذا لو نجحت حركة النهضة في الانتخابات المقبلة، فهل ستسمح لها الإمارات بذلك، أم ستسحقها كما سُحق مصريون في ميداني النهضة ورابعة العدوية، وتلحقها إمارة ثامنة، كما ألحقت مصر، التي كانت عظيمة؟

محجوب قاهري
محجوب قاهري
محجوب أحمد قاهري
طبيب وناشط في المجتمع المدني، يكتب المقالات في عدد من المواقع في محاولة لصناعة محتوى جاد ورصين.
محجوب أحمد قاهري