بمناسبة ذكرى النكبة

بمناسبة ذكرى النكبة

16 مايو 2014
+ الخط -
الجميع يكتب عن الذكرى الـ66 للنكبة الفلسطينية، وبيني وبين نفسي تمنيت لو أنها فقط 66 عاماً على نكبتنا وتهجيرنا، لأن الواقع يقول إن عدد النكبات في الوطن الفلسطيني المسلوب تجاوز الـ666 سنة في تفاصيلها. العائلات المهجرة والأرض الراحلة بلا اعتراف وعجوز صارع الموت وهو يحتضن ذكريات العودة ومفاتيحها، وسيد سئم كلمة أنتم لاجئون، وأنتم ضيوف، اذهبوا إلى أرضكم، أنت من انتقص من حقوقنا، وأخذ ما ليس له على حساب غيره. الأسرى من النكبات الكبرى غادرونا حفاظاً على بعضٍ من الكرامة المتبقية، جميعهم يصارعون المحتل وجهاً لوجه، حتى هواء الحرية، والوطن محرم عليهم، وانخرطوا في معركة الأمعاء الخاوية، وتبنّوا الماء والملح حاضناً لهم في ظل تهميشهم من الحكومة التي تقدس من لا يعرف معنى الوطن.
 وللأحداث بقية، لم ولن تكتمل، هل نُفصّل النكبات الأصغر لطفل لم يقبله والده منذ والدته، أم لابنة شهيد لم تصرخ في هذا العالم الظالم، لتنادي من كان سبباً في وجودها، وما بين نكبة المحتل والمسؤول المختل، تغرق عائلة أسير في نكبة راتب لا يتعدى مئات الشواكل، تتمنن عليها مكاتب الحكومة قائلة لها: أنت تعيشين حياة أفضل من الذين ليس لديهم أي أسير أو شهيد.
له الحق في ذلك، تلك الشواكل، ستعوضها وأولادها عن لحظة أمان وحب في كنف والدهم، وما بال تلك السيدة في التسعين من عمرها ودّعت هذا العالم، من دون قبلة تطبعها على ابنها الأسير، المحكوم بثلاثة مؤبدات في سجون الاحتلال. هل الوحدة الوطنية بددت نكباتنا، وصهرتنا في وطن واحد، أم حاولت بث سمومها بين الأسرى في سجون الاحتلال، ليتحدث أسير حماس ضد أسير فتح، أو العكس. هذا الذي أفلحت به قياداتنا الموقرة. هل الفلسطينيون الذين يعيشون في قراهم الأصلية، ولم يهجّروا نفذوا من النكبات. بالتأكيد لا. مستوطن يهودي كفيل بتنغيص ليلة نوم هادئة على جميع سكان البلدة القديمة في الخليل، أو القدس على سبيل المثال. مجندة إسرائيلية تعطل آلاف المسافرين بإشارة واحدة، أو صرخة واحدة، وقد نستثني أشخاصاً من فئة دبلوماسيين أو vip وهذا يعتمد على مزاج المجندة، أو شرطي إسرائيلي، يعطل آلاف الفلسطينيين عند انطلاقهم إلى أعمالهم صباحاً فقط في حاجز لا يتعدى متراً واحداً.
النكبة أن تعتقل قوات الاحتلال مواطناً فلسطينياً، والشرطة الفلسطينية تعتقل شقيقه، أو بعد خروج المواطن الفلسطيني من سجون السلطة، يعتقله الاحتلال. النكبة عندما تتصالح الأحزاب، من أجل المصالح، وتبقى الأرض آخر اهتمام لها، لأن الأهم تلك المقاعد الملكية والمسميات الفارغة التي تجلب مزيداً من الأخطاء. النكبة أن يتحدث عن قضيتنا من لم يكن يوماً في تفاصيلها، أو عايش بعض همومها، أو هبط هنا على أرضها. النكبة أن تكون فلسطينياً من الخليل أو بيت لحم، ولم تطأ قدمك أرض غزة، منذ كنت في هذه الحياة، وأن ترى موج البحر في أحلامك، ولا تستنشق نسيمه وعبقه في يافا وعكا، وأن تذهب إلى تلك الشواطئ بعد حصولك على تصريح دخول من المحتل، لتكره نفسك، حين تجلس هناك بين مئات من المحتلين المقيمين على وطنهم المزعوم.
النكبة أن تغمض عينيك عند اقترابك على إطلالة قبة الصخرة الذهبية، عندما تنهال عليها أشعة الشمس، وتتخيل أنك قريب منها، وستلامسها، وفجأة تفتح عينيك، لترى ذلك الجدار اللعين وحدوداً خانقةً ليس لها حدود. النكبة أن تبكي أسوار القدس وأزقتها العتيقة ومآذنها وكنائسها وتناجي رب السماء. النكبة أن تبني الأيدي العاملة الفلسطينية في الداخل بيتاً ليهودي غربي قادم من بولندا، وتحت وقع الخوف من أنه، في أي لحظة، قد يعود إلى قريته، من دون أوراق ثبوتية، أو حتى أجر عن عمل، قام به شهوراً سوداء طويلة.
هذا هو العدل، أن تتخلى الحكومة الفلسطينية عن متخرّج ماجستير، دفع كل ما يملك، ليحصل على شهادة من أجل بناء الوطن، ليرحل ويبني حجراً لمحتله. النكبة أن يبث المسؤولون في هذا اليوم الخطابات والتملق والقراءة عن الورق الذي أعدّه عاملون في مكاتبهم. وهنا اللاجئ الغارق في المياه العادمة في إحدى الزوايا الضيقة في بعض المخيمات أحق بكثير من الذي يتقاضى راتباً لكتابة نص عن النكبة، يبحث عنه في محرك البحث جوجل، عوضاً عن مجالسة شيخ في التسعين من عمره، ما زال يحدّث أحفاده عن بيته البنّيّ القديم وأشجار الزيتون والبرتقال.
النكبة أن يغمض المسؤول عيونه في أثناء تنقله إلى المحافظات الأخرى، ولا يرى المستوطنات، أو يتجول عبر الطرق المختصرة، بواسطة حصوله على تنسيق من الإسرائيليين. هذا حق له، خصوصاً أنه انطلق من رام الله، المدينة الجميلة التي لوّثها بعضهم، لتصبح عاصمة لوطن بلا وطن. النكبة أن نزيد من نكباتنا بأيادينا، يتحدثون عن العودة، وللعودة طرق ووجوه كثيرة. الأجدر بنا أن نعود إلى أنفسنا وإيماننا، وإلى الوطنية الحقيقية لوطن الشهداء والتراب، لا لوطن القيادات والسراب الذي سلبنا ما تبقى من الأرض، لنتذكر أن خارطتنا بترت من خلال رسوم بيانية، وهي حقيقة، تقلصت إلى الحد الذي يخرس أفواهنا عن الكلام والخطابات الثورية الكاذبة، والتسلق على حساب من منحوا التراب حياتهم. كفانا والوطن بريء من نكباتنا.
40C7A64F-CA8C-4876-87FA-DC983ACCECF1
40C7A64F-CA8C-4876-87FA-DC983ACCECF1
رولا حلايقة (فلسطين)
رولا حلايقة (فلسطين)