بل على مصر التوقف عن الاقتراض الخارجي

بل على مصر التوقف عن الاقتراض الخارجي

31 اغسطس 2020
تكاد مديونية مصر تخرج عن السيطرة (Getty)
+ الخط -

حتى سنوات مضت، كانت الديون الخارجية لمصر في حدود الأمان، وتعد نسبتها مقبولة إذا ما تمت مقارنتها بحجم الناتج المحلي الإجمالي، أو باحتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري والذي كان يزيد عن 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير.

وكانت الدولة المصرية لديها القدرة على سداد أعباء تلك الديون من أسعار فائدة وأقساط وأصل الدين، كما كانت تتوافر لديها مصادر السداد، سواء من الاحتياطي النقدي، أو من إيرادات الأنشطة الاقتصادية المختلفة، مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وقناة السويس.

لكن قبل أكثر من عام ظهرت بوادر على وجود استثناءات لقاعدة " التزام مصر الشديد بسداد الديون الخارجية المستحقة في مواعيدها"، تمثلت في تأجيل الحكومة سداد ودائع دول الخليج التي حصلت عليها البلاد في منتصف العام 2013 وبلغت قيمتها 18 مليار دولار؛ بواقع 8 مليارات للسعودية و6 مليارات للإمارات و4 مليارات للكويت، حيث تم تجديد هذه الودائع، مع زيادة أسعار الفائدة المستحقة عليها.

وواكب تجديد القروض الخليجية وتأجيل سدادها عدة سنوات، التوسع في الاقتراض الخارجي سواء كانت مباشرة أو عبر طرح سندات دولية، وذلك عكس الوعود الرسمية المعلنة من قبل وزارة الحكومة بتحجيم هذا النوع من الدين.

ومع الاستثناء الأخير للودائع الخليجية من السداد وزيادة الاقتراض الخارجي دخلت مصر حلقة مفرغة، فهي باتت تقترض من الخارج لسداد ديون مستحقة، وتقترض ثانية لتغطية العجز في الموازنة العامة، والذي زاد في السنوات الأخيرة، رغم خفض الدعم الحكومي المقدم لسلع رئيسية مثل الوقود والكهرباء والمياه والغاز المنزلي، وزيادة أسعار السلع والخدمات، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية، وفرض ضريبة القيمة المضافة لأول مرة.

وباتت الحكومة تقترض ثالثة لإعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي، والدفاع عن قيمة العملة المحلية، وبالتالي خلق زيادة مصطنعة لسعر صرف الجنيه وتقويته أمام الدولار في بعض الأوقات حتى تضمن استمرار تدفق الأموال الساخنة من الخارج.

وتقترض رابعاً لتمويل مشروعات قومية، منها ما يتعلق بالبنية التحتية كالطرق والكباري وشبكات إنتاج الكهرباء، ومنها ما يتعلق بمشروعات كبرى يتم إقامتها بالعاصمة الإدارية الجديدة، مثل الحي الحكومي الذي يضم 36 مبنى، منها 34 مقراً للوزارات، وكذا مبنى خاص للبرلمان تتم إقامته على مساحة 126 ألف متر، ومقر فخيم لمجلس الوزراء يتفوق على مقره بمدينة العلمين الجديدة، وقصر جديد لرئاسة الجمهورية يضاف إلى القصور الكثيرة الحالية.

وتقترض الحكومة من الخارج للمرة الخامسة لإقامة أطول فندق في أفريقيا، ودار للأوبرا تعد الأضخم في منطقة الشرق الأوسط، ومجمع للفنون، وشق نهر صناعي تتم إقامة قصور وفيلات للأثرياء على جانبيه.

وزاد الطين بلة وقوع أزمتي كورونا وتهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، فالوباء جفف بعض إيرادات الموارد النقد الأجنبي، خاصة من قطاعي السياحة والاستثمارات المباشرة، كما قلّص من تحويلات العاملين في الخارج، خاصة من منطقة الخليج، ومع تهاوي سعر النفط تراجعت المساعدات الخليجية المقدمة لدول العالم، ومنها مصر، كما استغنت دول الخليج عن مئات الآلاف من العمالة الوافدة وفي مقدمتها المصرية، وهو ما يضع ضغوطاً شديدة على موازنة البلاد التي تعاني أصلا من عجز حاد.

ومع استمرار تفشي كورونا وانعكاساته الخطيرة عل الاقتصاد المصري، زادت الحكومة من وتيرة الاقتراض الخارجي، حيث حصدت نحو 20 مليار دولار خلال فترة وجيزة ما بين قروض مباشرة أو اتفاقات قروض ابرمتها مع صندوق النقد الدولي وبنوك دولية وإقليمية أخرى أبرزها البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، أو عبر سندات دولية.

بل إن بعض المقرضين الدوليين باتوا يستغلون ما يحدث في مصر من ندرة النقد الأجنبي وجفاف بعض الموارد الدولارية، ويرفعون تكلفة الإقراض كما جرى مع حالة لبنان قبل وقف سداد ديونها الخارجية، وظهر ذلك في السندات الدولية الأخيرة التي طرحتها مصر خلال شهر مايو الماضي بقيمة 5 مليارات دولار، حيث بلغ سعر الفائدة الممنوح على بعض الشرائح طويلة الأجل 8.875 % سنوياً، ليتم بعدها تصنيف مصر كرابع دولة في العالم من حيث ارتفاع سعر الفائدة على القروض الخارجية التي تحصل عليها.

وفي ظل هذه المخاطر المتصاعدة للدين الخارجي، فإن على الحكومة المصرية أن تتوقف فوراً عن التوسع في الاقتراض الخارجي، وإلا أدخلت البلاد في دوامة لا خروج منها كما حدث للأرجنتين ودول أخرى سبق وأن توقفت عن سداد ديونها الخارجية، خاصة بعد أن ارتفع حجم هذا الدين إلى 120 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضي، وعليها ألا تقترض إلا بعد التأكد من توافر مصادر السداد، وألا تقترض لمشروع لا يدر عوائد دولارية، وأن تجمد المشروعات الممولة بقروض خارجية، خاصة أن العديد منها لا يمثل حالياً إضافة للاقتصاد القومي، ولا تهم المواطن من قريب أو بعيد.

المساهمون