Skip to main content
بغداد تتبنى عرفاً عشائرياً مخالفاً للقانون وتصادر ممتلكات متهمين بالإرهاب
أكثم سيف الدين ــ بغداد
قوات عراقية تؤمن عودة أهالي الحويجة (علي مكرّم غريب/الأناضول)
آلاف المنازل والوحدات السكنية والمتاجر والمزارع في الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وكركوك وبابل وبغداد، غدت وقفاً للحكومة العراقية بعد أن مُنع أصحابها من العودة إليها ووُضعوا في معسكرات خاصة بصحراء الأنبار وبادية الموصل، ضمن جملة قرارات عقابية اتخذتها بغداد ضد عائلات المتهمين بالانتماء أو التعاون مع تنظيم "داعش" خلال سيطرته على مدن العراق الشمالية والغربية.

ووفقاً لمسؤول عراقي في بغداد، فإن "ما بين 16 ألفاً إلى 18 ألف عقار بين منزل وشقة سكنية ومزرعة ومتجر، تم الحجز عليها من قبل الحكومات المحلية في سبع محافظات عراقية مختلفة بموافقة بغداد، كونهم من عائلات داعش. وهو المصطلح الذي بات مستخدماً اليوم بالعراق والمقصود به أشقاء وشقيقات ووالدا المتهم بالعمل مع داعش، فضلاً عن زوجته وأولاده وتعدّى في بعض المناطق إلى أن يشمل أبناء العم".

وعلى الرغم من أن الدستور العراقي النافذ بالبلاد بحسب المادة 111 يمنع أخذ أحد بجريرة أحد آخر وعدم تحمّل العائلة مسؤولية أفعال الابن الراشد، إلا أن قيادات الشرطة وعمليات الجيش في المحافظات فضلاً عن القائمقام والمحافظ، يتولون تنفيذ العرف الذي ابتدعته أول مرة عشيرة في بادية الرمادي قبل التحوّل إلى باقي المناطق ومؤيد من الحكومات المحلية وبغداد.

ويضيف المسؤول العراقي لـ"العربي الجديد"، أن "تلك المنازل المُصادرة منحت لضباط الجيش والشرطة الذين لا يمتلكون منازل أو يسكنون بالإيجار، وهم يشغلونها حالياً من دون مقابل. كما مُنح قسم لعائلات أفراد الأمن الذين قُتلوا بالحرب على داعش وأخرى صارت لصالح مسؤولين وسياسيين ومقرات حزبية وحكومية". ولفت إلى أنه "من ناحية قضائية فإن 60 في المائة منهم لم يتم إدانتهم من قبل القضاء، وما زال التحقيق جاريا معهم. وحتى لو تمت إدانتهم فلا يوجد نص قانوني يصادر منازل وممتلكات أفراد عائلته".

ويوجد في مخيمات "عائلات داعش" للعام الثاني على التوالي آلاف العراقيين الذين تفرض قوات الأمن عليهم إقامة جبرية، وتمنعهم من السكن أو الانتقال لمكان آخر. كما يعانون من ظروف معاملة سيئة وحرمان الأطفال من التعليم والرعاية الصحية خصوصاً في مخيم بالأنبار يطلق عليه شعبياً اسم "المقبرة"، كناية عن سوء الأوضاع فيه. كما يتواجد آخرون لدى العديد من العائلات في كردستان ومناطق أخرى داخل العراق، متخفين من قوات الأمن، غير أنهم غير قادرين على استصدار أي مستمسكات رسمية ولا تُمنح الأوراق الثبوتية اللازمة لأطفالهم الجدد، ولا تصدر لهم بطاقات هوية أو بطاقات الحصة الغذائية الشهرية.


بدورها، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، يوم الخميس، في تقرير لها، أنّ "ضباط أمن عراقيين يرفضون منح تصريح أمني لأقارب مباشرين لمشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش، لاستعادة المنازل التي سيطروا عليها، أو التماس التعويض"، مؤكدة أن "قوات الأمن دمّرت وصادرت بعض الممتلكات".

وعدّت المنظمة "هذه الأفعال المستندة إلى العلاقات الأسرية مع المشتبه بانتمائهم لداعش، بدلاً من القرارات الأمنية بناء على الحالة، أحد أشكال العقاب الجماعي". وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط للمنظمة، لما فقيه، "تستحق هذه العائلات الحماية نفسها التي توفرها المحاكم العراقية لجميع المواطنين"، داعية المحاكم إلى "أن تضمن عدم التمييز الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسامات الطائفية في البلاد وتأخير المصالحة المرجوة".

ونقل تقرير المنظمة نائب رئيس جهاز الأمن الوطني، حميد الزيرجاوي قوله إنّ "عائلات المشتبه بهم لا ينبغي أن يواجهوا مشكلة في الحصول على تصريح أمني بناء على وضع أقاربهم"، مستدركة "لكنه لم ينكر أن ذلك قد يحدث على المستوى المحلي". وأكدت أنّ "خمسة محامين وقائد الشرطة السابق في الموصل وقاضيا رفيعا في محكمة الموصل قالوا إنّ قوات الأمن العراقية أو عائلات أخرى استولوا على ممتلكات أقارب أفراد يشتبه بانتمائهم لداعش منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عندما بدأت القوات الحكومية باستعادة المدينة من داعش، رغم أنه لم يستطع أي منهم توفير إحصاءات على مستوى المدينة".

وقال المحامون إنهم "يعرفون ما لا يقل عن 16 حالة احتلت فيها قوات الأمن الفيدرالية والمحلية منازل عائلات أقارب يشتبه بانتمائهم لداعش، فرّوا مؤقتاً خلال القتال في 2016، مما منع العائلات من العودة"، مؤكدين أنه "في خمس حالات أخرى، أجبرت قوات الأمن العائلات على الخروج من منازلها واحتلالها، وفي حالتين، رفضت العائلات التي استولت على المنازل في وقت لاحق الخروج أو دفع الإيجار".

وسجلت مخيمات يتواجد بها أقرباء المتهمين بالانتماء لتنظيم "داعش حالات انتحار عدة كان آخرها مطلع الأسبوع ما قبل الماضي لابنة متهم بالإرهاب، رفضت إدارة المخيم وقوات الأمن خروجها لاستئناف دراستها الجامعية في كلية هندسة السدود بجامعة الموصل"، وفقاً لمصادر محلية في مدينة الموصل.

ووصف عضو التيار المدني وائل أحمد حسين، القانون العرفي المتبع مع أفراد التنظيم بـ"غير القانوني واللا أخلاقي". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القانون مخالف للدستور والقانون والمنطق ومعاقبة شقيق أو ابن أو والد وأخت وزوجة مجرم شيء لا يمكن استيعابه على أي أساس تم ذلك". وبيّن أن الحكومات المحلية تستغل منازلهم لمصالحها الشخصية ويجب أن يكون الإجراء من القضاء الذي ما زال متفرجاً على الظاهرة". وأشار إلى أنّ "عائلات وأقارب هؤلاء لا يمكنهم بيع منازلهم أصلاً، عندما ييأسون من أنهم لن سيعودون إليها وهذه مخالفة أيضاً، كما أن حجزهم غير قانوني".

وقال المحامي عبد السلام الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد فقرة في القانون تتيح للأجهزة الأمنية مصادرة ممتلكات المواطنين، وأنّ ممتلكات المتهمين بالانتماء إلى داعش ممن قتلوا أو ما زالوا على قيد الحياة، هي ملكهم أو ملك ورثتهم، ويحقّ لأصحابها أو ورثتهم مقاضاة تلك الأجهزة والأفراد وطلب التعويض وحتى إيجار السكن منهم". وأضاف أنّ "عدداً قليلاً من أهالي وعائلات أصحاب تلك المنازل قدموا شكاوى رسمية في المحاكم لكن لم يلتفت لهم أحد ولم تقبل شكاواهم".

وقلل من "إمكانية حصول تلك العائلات على المنازل، إذ إنّ قضاياهم مجمّدة في المحاكم ولم يتم متابعتها، كما أنهم يخشون المتابعة بسبب التهم الموجهة إلى ذويهم"، مؤكداً أنّ "هذه القضايا تحتاج إلى قرار سياسي من قبل الحكومة، تضع فيه حداً للأجهزة الأمنية، وتمنعها من الاعتداء على ممتلكات الآخرين، وعلى الحكومة أن تتدخل في وقف هذا الاعتداء السافر على ممتلكات المواطنين". وأشار إلى أنّ "القانون العراقي يمنع السيطرة على أي منزل أو عقار، من دون أن يكون هناك قرار قضائي صريح مستند إلى الأسس القانونية الواضحة، لذا فإنه لو طبق القانون بشكل صحيح، فإنّ الأجهزة التي سيطرت على تلك العقارات، يجب أن تحال إلى السلطة القضائية وتحاسب وفقاً للقانون".