بعض من الحرية التي أرادها السوريون

بعض من الحرية التي أرادها السوريون

25 يونيو 2020
+ الخط -
سؤال يطرح هنا في إسطنبول في مجتمع الجاليات العربية تحديداً بين فئة الشباب العربي الوافد من بلدان الأزمات وغيرها: "أنت وجدت شغل عند السوريين ولا عند الأتراك؟".. أو بمعنى أدق، هل وجدت فرصة عمل عند مشغل تركي أومشغل سوري؟

وهي حالة لها دلالاتها المنافية للصورة النمطية التي ترسخت في حق الجاليات السورية، وأستصعب هنا تسميتهم بـ"اللاجئين" وربما بالغت كذلك في تسميتهم بـ"وافدين".. فهم من هذا وذاك.. فالصورة النمطية أن اللاجئ إنسان اتكالي يهدد شرائح فقيرة في المجتمع، ويزاحمها في سوق العمل ويحتاج إلى سنوات طويلة حتى يصبح فعالا ومفيدا للمجتمع المُستقبِل له. وتبقى الحقيقة على أرض الواقع أن السوريين أينما حلوا فإنهم يحملون معهم حلمهم في الإبداع بغض النظر إلى أين كانت وجهتهم.

مختلفة هي الحرية وألوانها ومفاهيمها وأنماطها.. فلطالما حلم السوريون بالنهضة وتطلعوا إليها، تلك التي حرموا منها في ظل حكم الأقلية الطائفي.. فقد عاشوا نهضة عراقية في جوارهم فترة السبعينيات والثمانينيات وبقوا هم محرومين.


وعاصروا نهضة الأتراك في الجوار القريب. حتى غزة المحاصرة أخذت نصيبها من الإبداع والنهضة، ووصلت إلى ما لم تصل إليه كيانات كبيرة وقادرة من التصنيع العسكري وما سواه، في ظل مساحة صغيرة من الحرية المحصورة في فضاء جغرافي معدم إلا من الإرادة.

حتى الإسرائيليون أخذوا حقهم وحريتهم في النهضة والإبداع، وبقي السوريون محرومين من ممارسة حقهم وحريتهم في الإبداع بكل ألوانها الحقيقية من الإبداع في الصناعة والتصنيع، والإبداع في الابتكار في شتى مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي والفني والتربوي والتعليمي والتجاري وغيره.

لعقود طويلة كان الشعب السوري ليس فقط محروماً، ولكن كذلك معاقباً على ممارسات حقه في الإبداع، سيما في ممارسة حقه في الإبداع الصناعي. كان النظام يطارد الصناع والمبدعين، وسيارة (حلفايا) تشهد على هذا الحرمان، هي سيارة بسيطة بتكلفة بسيطة صنعها الصناع السوريون في بلدة حلفايا في ريف مدينة حماة في الأقبية بعيداً عن أعين زبانية النظام. طارد النظام الصناع وزج بهم في السجون، في الوقت الذي كان من المفروض أن يستثمر طاقتهم وإبداعهم للارتقاء بالدولة ووضعها على مسار النهضة.

واليوم بعدما فرض على السوريين الهجرة والنزوح واللجوء، وجدوا أنفسهم ليس فقط مضطرين، ولكن كذلك مدعوين لإثبات حقهم في الإبداع. في تركيا بلد الإبداع في صناعة الطعام وبلد سياحة الطعام تجد المطاعم السورية المنافس الأول لهذا الإبداع في عقر داره.

وكثير من الورش الفنية في ضواحي المدن التركية بات القائمون عليها سوريين. وباتت الأسواق وفضاءات التجارة أكثر نشاطاً.. حتى في ألمانيا بلد العلوم الصناعية وبلد البنية الصناعية الراسخة، أثبت السوريون تناغمهم معها وباتت لهم أياد في أروقتها.

وليس فقط في ألمانيا، ولكن في كثير من البلدان التي نالت نصيباً من المضطرين السوريين. كثيرة هي ألوان الحرية التي حرم منها السوريون.. ومنها حرية الإبداع وحق التطلع إلى بناء نهضة وحق الارتقاء بالمجتمع والدولة.
9BB41024-A381-4F00-9590-787177717E83
عبد الفتاح أبو طاحون
كاتب وباحث وروائي ومحلل سياسي مهتم بالشأن الإقليمي ومختص بالشأن الروسي

مدونات أخرى