بعد 16 عاماً... كشف هوية قاتل طفل لبناني في السويد

بعد 16 عاماً... كشف هوية قاتل طفل لبناني في السويد

29 يوليو 2020
استغرق عمل الشرطة 16 عاماً (جوهان نيلسون/ فرانس برس)
+ الخط -

عثر على قاتل ضحيتين في السويد، أحدهما طفل لبناني كان يبلغ ثماني سنوات من العمر عام 2004. وإن كانت الدوافع ما زالت غير واضحة، إلا أنها لا تبدو عنصرية. لكن بالنسبة إلى عائلته، فطفلها لن يعود

في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2004، كان الطفل محمد عموري (8 سنوات)، في طريقه إلى مدرسته في لينشوبينغ (جنوب وسط السويد)، عند الساعة الثامنة إلا عشر دقائق صباحاً عندما تعرّض لطعنات عدة من الخلف أدت إلى قتله. انتبهت سيدة سويدية تدعى آنا لينا سفينسون (56 عاماً آنذاك)، كانت تمر على رصيف مجمع سكني، إلى القاتل وصرخة الطفل. هربت منه فلحق بها وطعنها لتسقط هي الأخرى. تجمع أشخاص كانوا متوجهين إلى أعمالهم حول القتيلين، وحاصرت الشرطة المكان، ووجدت على بعد أمتار آثار دماء على قبعة عند باب متجر يبيع مواد غذائية كان لا يزال مغلقاً. وإلى جانب جثة القتيلة، كان القاتل قد ترك سكينه. 

مرّت أيام وأشهر وسنوات من دون أن تتمكن الشرطة السويدية من تحديد هويّة القاتل ودوافعه. فريق التحقيق الذي شكل لمتابعة الجريمتين عُدّ ثاني أكبر فريق بعد ذلك الخاص بمتابعة قضية مقتل رئيس الوزراء الأسبق أولف بالمه (قتل في نهاية فبراير/ شباط 1986). ولم يتمكن المحققون من إيجاد رابط بين سفينسون وعموري. في الوقت نفسه، لم يستسلم المحققون على الرغم من مرور سنوات طويلة. وظل أهل الضحيتين يبحثون عن أجوبة تتعلق بهوية القاتل ودوافعه، علماً أن الشرطة استبعدت أن تكون الدوافع عنصرية، وحاولت التركيز على كيفية الوصول إلى القاتل. أجريت تحقيقات مع كثيرين وفحوصات الحمض النووي (DNA) للقاطنين في لينشوبينغ من دون أن يؤدي ذلك إلى العثور على القاتل.
سيمر 16 عاماً قبل أن تقترب الشرطة في لينشوبينغ من تحديد هوية القاتل. خلال المطاردة الأكبر في تاريخ هذه المدينة، احتاج المحققون لمساعدة أحد علماء الأنساب السويديين وفحص السجلات محلياً وفي الولايات المتحدة الأميركية لتحديد هوية القاتل.
لنعد إلى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2004. صباح ذلك اليوم شكّل صدمة لأهل محمد عموري الذين هاجروا من لبنان إلى السويد. شقيقته التي خرجت من المنزل بعد شقيقها بعشر دقائق، صدمت وقد رأت سيارات الشرطة والإسعاف في المنطقة، ليكتشف الوالد حسن عموري (59 سنة اليوم)، أن الضحية هو طفله الذي كان يرتاد نادياً لكرة القدم في سن مبكر. 
انتقلت العائلة إلى مدينة أخرى في جنوب استوكهولم، بعدما كرهت البقاء في المنطقة التي قتل فيها طفلها. واهتمت السويد من شمالها إلى جنوبها بقضية مقتل الطفل محمد وسفينسون، وتوالت الاتصالات والتبليغات من جيران وشهود عيان وصلت إلى نحو 13 ألف اتصال تتعلق بالقاتل المفترض. كما فحصت الشرطة عينات الحمض النووي لنحو 5 آلاف إنسان لم تتطابق مع القاتل. وبعد خمسة آلاف جلسة تحقيق، عرفت أن الفاعل "طويل القامة يرتدي ملابس سوداء وقبعة".
واصلت الشرطة عملها بسرية تامة، وحصلت خلال ربيع العام الحالي على مساعدة عالم الأنساب السويدي، بيتر شويلوند، الذي اتصل بمسؤول التحقيق في شرطة لينشوبينغ ليبلغه بأنه قادر على تقديم المساعدة. وساهمت خبرة شويلوند في تحديد هوية القاتل، وهو الذي ساهم في كشف هوية مجرمين سابقين في كرواتيا، كما في إحدى جرائم القتل في هيسلنبورغ (جنوباً)، إضافة إلى تعاونه مع شرطة مالمو من خلال علمه. منحته الشرطة حق الاطلاع على ملف القضية بكل تفاصيلها، وأمنت له الدخول إلى أجهزة الحاسوب التابعة للمركز الوطني لأبحاث الطب الشرعي في استوكهولم، حيث تخزن نتائج فحوصات الحمض النووي، بما فيها أدلة جريمة عام 2004.
ومن خلال علم الأنساب، درس 700 ألف عينة، بما فيها تلك التي تختزنها الشرطة الأميركية، للوصول إلى طرف خيط أحد أقارب القاتل المفترض. وكالة الأنباء السويدية وصحف محلية عدة نقلت عن شويلوند قوله إن عمله تركز على رسم خريطة نسب لما بين 600 إلى 700 شخص، والعودة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. 
وفي بداية إبريل/ نيسان الماضي، كان قد أنهى مقارنة عيّنات لـ900 شخص، غالبيتهم في السويد وبعضهم من أصول سويدية في أميركا، إلى أن حصر البحث في 25 حمضاً نووياً، "وبدأت وصل خيوط شبكة العائلة"، كما قال لصحيفة "أفتون بلاديت". 
احتاج إلى زيارة كنائس وأخذ عينات من أناجيل قديمة جداً في الكنيسة المحلية والتفتيش في أرشيف الصحف عن إعلانات وفاة وغيرها. ويقول: "مساء 5 يونيو/ حزيران الماضي، وكان يوم جمعة، وصلت إلى القاتل. اتصلت برئيس فريق المحققين في لينشوبينغ لأخبره بأنني عثرت على القاتل. لم يستوعب ما قلته، فكررت: وجدت قاتل عموري وسفينسون".
الحمض النووي قاده إلى شقيقين. كان من المفترض أن يحضر الاثنان لأخذ عينة من حمضهما النووي، إلا أن أحدهما تخلف ولم يحضر، فعمدت الشرطة إلى وضع خطة لاعتقاله فجر التاسع من يونيو وكشف هويته لأهل الضحيتين. هو السويدي دانيال نيكفيست (37 عاماً اليوم)، الذي اختفى منذ ارتكابه الجريمتين. لم يكن يعمل ولم يكن لديه أصدقاء، وقد غير مكان سكنه حيث الضحيتين كما أعلنت الشرطة السويدية.
المثير في هذه الجريمة التي سيحاكم عليها القاتل في الخريف المقبل، أن الشرطة ذكرت على لسان مديرها في لينشوبينغ يان ستاف، أن القاتل "بدا مرتاحاً خلال اعترافه بالجريمة". وعن خلفيته، فهو ضحية تفكك أسري وكان يتعاطى الكحول وقد فشل في الدراسة وتعلق بألعاب الكومبيوتر وكان يعشق السكاكين.

في ذلك الصباح الذي قتل فيه الطفل محمد عموري وآنا لينا سفينسون، كان دانيال نيكفيست يحمل سكينه بعد ليلة قضاها وهو يتناول الكحول، فقتل الطفل من دون أن يرى وجهه. وحين اكتشفته السيدة وحاولت الهرب منه، لحق بها ليطعنها. لكن يبقى السؤال: ما هي الدوافع؟ 
بالنسبة إلى حسن عموري، فهذا "لن يعيد طفلي إلى الحياة. لكنه خبر هام للجميع لأننا عرفنا من قتله وقتل سفينسون بعد 16 عاماً".

المساهمون