بعد العطسة الأولى

بعد العطسة الأولى

08 فبراير 2016
يختار البرّاد كمقرّ دائم له (عبد الرحمن عرابي)
+ الخط -

تتبدل العلاقة بين الإنسان والقطة الأليفة بشكل كامل، بعد العطسة الأولى. تصل القطة إلى المنزل الجديد، تختار أكثر الزوايا عتمة وتتقوقع فيها. هناك، تحاول استيعاب الروائح والوجوه الجديدة. وعندما ينتصر حس الاستكشاف لديها، تخرج للقيام بجولة حذرة في المحيط. لكن الفضول المُقابل للأشخاص، يُعيدها إلى الزاوية نفسها. تستمر الحال كذلك لساعات، قبل أن تستسلم لقدرها وتقبل، على مضض، التنقل بين أيدي الفضوليين. وتقبل الطعام بعد رفضه لساعات.

ويشكل موضوع تدريبها على قضاء حاجتها في الرمل، الهاجس الأكبر لدى كثيرين، فينسون الاستمتاع بهفواتها الأولى. وعادة ما تكون قفزة غير مكتملة أو ارتطام لطيف بقطعة أثاث.
تقفز القطة بعد أيام قليلة على صدر صديقها البشري الجديد، بحثاً عن فسحة للعب. وليلاً، تتسلل لتغفو على مهل بالقرب منه. لا يهمهما إزعاج النائم أو حتى احتلال مخدته. تبقى على هذه الحال الاستعمارية، إلى أن تباغتها العطسة الأولى منه! تدفعها الصدمة إلى التقوقع مجدداً.

كأن العطسة شتيمة من العيار الثقيلة طاولتها، أو أنها قذيفة انفجرت فوق رأسها الصغير. بعد هذه الصدمة يختلف كل شيء، فتتحول القطة إلى "فرد طبيعي" في المنزل. تتجوّل فيه على راحتها، وتضع قوانينها الخاصة لساعات اللعب والنوم والأماكن المُفضلة لديها. يظن كثيرون أن العكس هو الصحيح وأن القطة حيوان أليف يعتاد الأنظمة والقوانين. من يريد ذلك، ما عليه إلا اقتناء كلب، فالكلاب مُطيعة جداً. أما القطط، فيبدو أنها لم تنسَ تقديس الفراعنة لها.

قد يُخطئ كثيرون في اختيار اسم مُسبق للقطة قبل أن تطأ عتبة المنزل. والأصح هو ترك القطة تختار اسمها بنفسها، من موقف وضعت نفسها فيه أو طبع مُعيّن تمتاز به. للقطط أمزجتها الخاصة وطباعها، بعضها لئيم "لا يضحك وجهه للرغيف السخن"، وبعضها الآخر يُحب العشرة ويألف الضيوف سريعاً.

كان اسم القط الأول الذي زارنا في المنزل "سيمبا" تيمناً بفيلم الطفولة الكرتوني المُفضل، لكن اسم "أبو جهل" بدا مُناسباً أكثر بعد يومين فقط. يسير على أنبوب الإضاءة الرفيع ولا يُمانع وضع رأسه أسفل الحنفية لتنساب المياه على وبره الأشقر. يكمن في الليل وينتظر خروج أي كان من الحمام لينقض على رجليه. لا تهمه نتيجة أعماله، طالما أنه وجد لنفسه ملجأً آمناً بين الوسائد.

أما القط الثاني، "بازيلا"، فقد اختارت الصدفة اسمه بعدما حمل اسم "باندا" بسبب لونه الأبيض والأسود. خجول بعكس أبو جهل، يُفضل الوحدة كالرجل الوطواط. يختار البرّاد كمقرّ دائم له، واذا نعس يتمشى حتى التخت. ينام في الزاوية مغطياً وجهه بيديه. هكذا تتبدل أسماء القطط مع تنقلها بين المنازل، كما تتبدل حياة الطرفين بعد العطسة الأولى.

اقرأ أيضاً: المرأة والسياسة في لبنان: الوصول بالقربى

دلالات

المساهمون