في ظل الحراك الذي تقوم به بروكسل لوقف التصعيد في ليبيا، والذي يُعتبر مع سورية أكثر الملفات تعقيداً في المنطقة بعد أن بلغت الحرب العسكرية بالوكالة بين القوى العسكرية الأجنبية المتحاربة على أراضي طرابلس ذروتها، برزت تلميحات فرنسية حول إمكانية اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على أنقرة خلال الاجتماع المقرّر يوم 13 يوليو/تموز المقبل في بروكسل، في وقت يدور في برلين جدل حول أهمية إرسال قوات تابعة للأمم المتحدة إلى ليبيا.
هذا النقاش عزّزه تقرير لصحيفة "تاغس تسايتونغ"، أشار فيه أحد موظفي بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (يونسميل)، والتي تتخذ من تونس مقراً لها، إلى خطط لإرسال مراقبين للأمم المتحدة، وهو الطرح الذي عرضه أيضاً، الأسبوع الماضي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتغن، في مقابلة مع "أن بي آر" البرلينية، متحدثاً عن بعثة دولية من الأمم المتحدة أو من دول الاتحاد الأوروبي، يشارك فيها الجيش الألماني (البوندسفير)، لتهدئة الصراع اليوم، ويمكنها أن تؤمّن منطقة عازلة بين المناطق الحكومية في غرب ليبيا وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد، وليبرز أن هذا المقترح تكشّف بعد أن أثبتت الأشهر القليلة الماضية أن الدبلوماسية، من دون عنصر قوات السلام، لن تنهي القتال في ليبيا.
يتزايد الجدل حول المهمة الدولية في بلد دمّرته الحرب، مع تداخل العاملَين الداخلي والخارجي
ويأتي هذا الطرح بعد ما يقرب من نصف عام على مؤتمر برلين بشأن ليبيا، ومع تزايد الجدل حول المهمة الدولية في بلد دمّرته الحرب، مع تداخل العاملَين الداخلي والخارجي، وتضارب المصالح بين القوى الإقليمية والدولية للحلّ في طرابلس، ما أجّج الصراع على الأرض.
وفي هذا الإطار، قال السفير الليبي السابق علي مزداني كوتاني لـ"تاغس تسايتونغ"، إنه لا يمكن لأوروبا ترك ليبيا لتركيا ومصر والإمارات وروسيا، سنصبح مستعمرة مرة أخرى، معرباً عن أمله في إمكانية الاتفاق على منطقة منزوعة السلاح بين شرق ليبيا وغربها، للتمكين من إجراء محادثات بين الليبيين.
في المقابل، لاقى طرح السياسي عن "المسيحي الديمقراطي" نوربرت روتغن، تشكيكاً في أهمية مهمة "الخوذ الزرقاء" من قبل الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، الشريك في الائتلاف الحاكم، إذ انتقد المتحدث باسم السياسة الخارجية في الحزب نيلس شميد، النقاش حول قوة تابعة للأمم المتحدة أو عملية عسكرية للاتحاد الأوروبي في ليبيا، مشيراً إلى أن في ذلك تجاهلاً للحقائق في الوقت الحالي. وأضاف، في حديث مع صحيفة "هايدنهايمر تسايتونغ"، أن ذلك يتطلب موافقة أطراف النزاع على الأرض وموقفاً موحداً من المجتمع الدولي، لا يتوفر أي منهما حالياً. وقال: "ما زلنا نرى التسلح قائماً لدى كلا الجانبين، وهناك انتهاكات لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، كما يقلقنا خطاب الحرب بين الجانبين، حكومة فايز السراج المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا، واللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من الإمارات ومصر".
ومن وجهة نظر السياسي شميد، فإنه تجب على القنوات الدبلوماسية للعملية السياسية مواصلة عملها، من خلال مواصلة ما يُسمّى بمحادثات "5 + 5" بين الطرفين المتنازعين.
من جهته، قال مسؤول السياسة الخارجية في حزب "الخضر" اوميد نوريبور، إنه وقبل كلّ شيء، فإنّ الأمر يفتقر إلى موقف أوروبي موحد، متسائلاً كيف يمكن أن تكون هناك بعثة ذات مصداقية للاتحاد الأوروبي في ليبيا، إذا دعمت فرنسا وإيطاليا بصراحة قوات حفتر، فيما تساند أخرى حكومة "الوفاق" في طرابلس.
وأكد نوريبور أن "هناك تحديات مماثلة مع بعثة الأمم المتحدة، حيث يتعين على مجلس الأمن الدولي أن يقرّر أولاً، لذا فإنّ السؤال حول ما إذا كان ينبغي على ألمانيا أن تشارك في مثل هذه المهمة التي لا معنى لها، إلا إذا كان لدى الاتحاد الأوروبي وأعضاء مجلس الأمن موقف موحد من ليبيا. ولسوء الحظ، لا يبدو الأمر كذلك في الوقت الحالي".
في المقابل، ناقض المتحدث باسم السياسة الخارجية لكتلة الحزب "الليبرالي الحر" بيجان دجير ساري، مقاربة نوريبور، وقال للصحيفة نفسها: "لسوء الحظ، لاحظنا خلال السنوات الأخيرة الماضية أن الوسائل الدبلوماسية لم تؤدِ إلى تقدم في حلّ النزاعات، وعلى العكس من ذلك، فقد تراجعت أدوارها، لذلك أؤيد دعم مبادرة روتغن بخصوص نشر قوات للأمم المتحدة، حتى ولو كانت غير واقعية في الوقت الحالي، مشدداً على أن نشر قوات "الخوذ الزرقاء" سيكون إشارة قوية من المجتمع الدولي، وعلى ألمانيا أن تشارك بعديد من قواتها في المهمة ، متحدثاً عن أن هناك مسؤولية ألمانية وأوروبية للدفاع عن السلام والاستقرار في دول الجوار المباشر.
مع العلم أن هناك امتعاضاً أوروبياً متزايداً من تصرفات أنقرة وتدخلها العسكري المباشر في ليبيا، حيث تعتبر بروكسل أن لأنقرة أطماعاً ومصالح اقتصادية في ليبيا الغنية بالموارد النفطية، وقد قام الاتحاد الأوروبي أخيراً بفرض حظر سفر وتجميد أصول لشخصين لهما دور في عمليات التنقيب التركية في المنطقة الاقتصادية البحرية لقبرص قبالة جزيرة القسمة، في وقت يسود حديث عن زيارات لمسؤولين أتراك لمناقشة تعزيز التعاون في مجالات استراتيجية، عدا عن قطاعات أخرى، بينها الإنشاءات والطاقة والمصارف.