بشار الأسد كما رآه جوناثان تابرمان

بشار الأسد كما رآه جوناثان تابرمان

03 فبراير 2015
أجرى تابرمان الحوار بناء على موعد طلبته دمشق(فرانس برس)
+ الخط -

يحذّر الصحافي الأميركي البارز، جوناثان تابرمان، الغرب من مغبّة الوقوع في شرك تصديق الرئيس السوري، بشار الأسد، لناحية استعداده لتسوية سلمية تنتشل بلاده من مأساتها. ويقول إنّ اعتقاداً مماثلاً ليس إلا محض خيال، والأسد أقلّ مرونة عما كان عليه بداية الأزمة السورية.

وبعد حوالي عشرة أيام من مقابلة حصريّة نادرة، أجراها مدير تحرير مجلة "فورين أفيرز" الأميركيّة مع الأسد، ونشرتها المجلة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، يتحدّث تابرمان عن انطباعات كارثيّة خرج بها من لقائه الأسد، من بينها إشارته إلى أنّ الأخير قد يكون "كاذباً محترفاً لا يرفّ له جفن وهو يكذب"، أو أنّه "مقتنع بما يقول وغير مدرك لما يجري خارج قصره، وبأنّه لم يعد يسيطر إلا على ثلث سورية".

ويتوقّف تابرمان عند مستوى الثقة العالي، والهدوء الذي لمسه في نبرات الأسد، وفق ما أورده في تغريدات على موقع "تويتر"، وفي مقابلات أُجريت معه ومقالات رأي في كبريات الصحف الأميركية. وينقل أنّ الأسد بدا، ظاهرياً، "مهذباً للغاية وميالاً لمراعاة الشعور وإظهار الحميميّة، وقد تحدّث طيلة المقابلة بصوت خفيض وبمنتهى الهدوء، لكنه كان يسرد أكاذيب أعلم أنها فاضحة، بدون أن يهتز أو يرفّ له جفن".
ويوضح أنّه أثناء إصغائه للأسد، وهو يتحدّث عن انتصاره الحتمي على خصومه، تبادر إلى ذهنه فوراً ما قيل عن أدولف هتلر في مخبئه، عندما كان الروس على مشارف برلين، وهو لا يزال مصراً أمام جنرالاته على أنه يمكن لألمانيا أن تكسب الحرب".

وفي تفسيره للثقة المفرطة بالنفس التي يظهرها الأسد، يقول تابرمان، إنّ "هناك أحد أمرين، إما أن الرجل بارع في الكذب بشكل مدهش، وكان حديثه موجهاً للاستهلاك المحلي، أو أنه يعتقد، حقاً، بما يقول ولا يدرك مدى سوء الأوضاع الناجمة عن الحرب والانقسام الذي حل بوطنه، والمساحة الباقية تحت سيطرة نظامه، مثلما لا يدرك أن مبادراته ومقترحاته بالصورة التي يطرحها، لا معنى لها ولم تعد عملية مطلقاً".
ويشير تابرمان، في تصريحات نقلتها الإذاعة الوطنية الأميركية، إلى أنّه "لا يبدو على الأسد أنه نادم على ما حلّ ببلاده، ولم يعترف بأنه ارتكب أي خطأ سياسي". ويقول: "سألته خمس مرات إذا كان قد ارتكب أي خطأ أثناء الحرب أو إذا كان هناك ما يأسف عليه، فظلّ يدافع عن سياساته ولم يتذكر أي خطأ ارتكبه، وعندما تحدثنا عن تفاصيل التوصل الى اتفاق سلام، قال إنّ نظامه منفتح للحوار مع أي شخص كان، لكنه سرعان ما قوض هذا الاستعداد بالقول، إن أي تغيير في الهيكل السياسي لسورية يجب أن يكون عبر استفتاء".

ولم يتردّد الأسد في القول خلال المقابلة بهذا الصدد: "نحن ندافع عن بلادنا ضد الإرهاب، إذا قلت إنّ ذلك كان خطأ، فإن الخيار الآخر الصحيح هو أن ندعم الإرهاب... في ما يتعلق بالقرارات الرئاسية فقد كانت جميعها سليمة وأنا واثق من ذلك".

ويكشف تابرمان، أنّ المقابلة التي أجراها مع الأسد، تمّت بطلب مباشر من دمشق، منتصف الشهر الماضي، بعد تجاهل طلبه للقاء مماثل منذ سنتين. ويقول، إنّ رحلته البرية من بيروت إلى دمشق لمقابلة الأسد، استغرقت 12 ساعة، قطع خلالها حوالي 130 كيلومتراً فقط.
ويعرب عن اعتقاده بأن النظام السوري حاول الاستفادة من الأجواء الدولية التي تلت هجمات باريس لتغيير الموقف الغربي تجاهه. ويوضح في هذا السياق، في مقابلة تلفزيونية: "أعتقد أنّ الرسالة التي كان نظام الأسد يريد إيصالها للغرب عبر المقابلة بعد الأجواء المختلفة التي أسفرت عنها هجمات باريس، هي: نحن وإياكم نواجه عدواً سيئاً هو الإرهاب ولسنا سيئين. الإرهابيون هم السيئون، أما نحن فيمكن أن نكون أصدقاءكم".
ويشير الصحافي الأميركي إلى أنّه وصل إلى دمشق، عن طريق بيروت، واستُقبل في مكتب مخملي في منتهى الفخامة، وبجانبه جهاز كمبيوتر من نوع "آبل ماكنتوش"، الذي يعتقد بعض الخبراء أنّه أكثر أمناً من فيروسات التجسّس من أجهزة مايكروسوفت. ويسأل، بعد ملاحظته "الحياة الرغدة" التي يعيشها الأسد في قصره، بينما تُدمّر منازل أبناء شعبه وتقصف حياتهم: "هل الأسد طبيعي عقلياً أم أنّه مصاب باختلال أو علة نفسية"؟
ويخلص تابرمان إلى القول، إنّه لا يمكن لهذا الرجل أن يقدّم أي تنازل يتعلق بسلطاته في إطار أي تسوية مع شعبه، وإنّ الأزمة والحرب في سورية لا نهاية لها إلا بإحدى وسيلتين، إمّا أن يتمكن الرجل من سحق معارضيه والوقوف على قدميه أو أن تتمكن المعارضة من "سحبه من قدميه".
وكان تابرمان قد وجّه خلال المقابلة 57 سؤالاً إلى الأسد، الذي زعم في معرض إجاباته، أنّ "الشعب السوري لا يزال يدعم الحكومة"، منكراً أنّ البلاد أصبحت مقسّمة بين نظامه و"داعش" وجبهة النصرة والمعارضة السوريّة والكردية. وقال إنه يجب الفصل في الحوار مع معارضيه، بين "المعارضة الوطنيّة" وبين شخصيات "لا تعدو كونها دمى"، لافتاً إلى أنّ "هناك شخصيّات لا تمثل أحداً في سورية، وبعضهم لم يعش في سورية على الإطلاق. وبالتالي فهم لا يعرفون شيئاً عن البلد".

وتساءل الأسد رداً على مدى استعداده لاتخاذ إجراءات بناء الثقة قبل المفاوضات، كتبادل السجناء أو التوقف عن استعمال البراميل المتفجرة أو إطلاق سراح السجناء السياسيين: "ما العلاقة بين تلك المعارضة والسجناء؟ ليس هناك أي علاقة، وهؤلاء ليسوا سجناءهم على أي حال...".

وفي ما يتعلّق بجبهة الجولان، يذكّر الأسد بأنّه لم يحدث أن انطلقت أي عمليّة ضدّ إسرائيل، من مرتفعات الجولان، منذ وقف إطلاق النار عام 1974، مؤكداً في المقابل أنّ الإسرائيليين "يهاجمون مواقع للجيش السوري منذ حوالي العامين بدون أي مبرر". ويتابع: "يقال إنّ تنظيم "القاعدة" لا يمتلك قوى جوية… في الواقع لديهم قوى جوية هي القوات الجوية الإسرائيليّة".

في موازاة ذلك، ينوي الأسد، التصدّي لقوات المعارضة التي تدرّبها الولايات المتحدة، والتي من المقرر إدخال 5 آلاف عنصر منها إلى سورية في مايو/أيار المقبل. ويقول في هذا السياق: "أي قوات لا تعمل بالتعاون مع الجيش السوري هي قوات غير قانونية وتنبغي محاربتها". ولم يفت الأسد السخرية من إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بقوله إنّها "أول إدارة في التاريخ تبني تقييماتها، ومن ثم قراراتها على وسائل التواصل الاجتماعي... وبالتالي بوسعنا أن نسميها إدارة التواصل الاجتماعي... هذا لا علاقة له بالسياسة".

المساهمون