برلمانيون يدحضون كلام السيسي: لا انتخابات محلية في مصر

برلمانيون يدحضون كلام السيسي: لا انتخابات محلية في مصر

04 اغسطس 2019
الحكومة لم تخصص ميزانية لانتخابات المجالس المحلية(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


قالت مصادر برلمانية مطلعة في مصر إن "إعراب الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تمنيه إجراء الانتخابات المحلية قريباً، خلال الجلسة الختامية لمؤتمر الشباب السابع بالعاصمة الإدارية الجديدة، ما هو إلا حديث مُكرر وغير جدي، لا سيما أن أغلبية مجلس النواب ترفض مناقشة قانون الإدارة المحلية منذ أربع سنوات كاملة، بناءً على تعليمات أمنية، هي رئاسية في الأصل".

وأضافت المصادر، المحسوبة على الأقلية المعارضة داخل البرلمان، أن السيسي وجه مجلس النواب والحكومة خمس مرات سابقة أمام وسائل الإعلام، بإجراء انتخابات المجالس المحلية (البلدية) في مدى قريب، في وقت يعلم فيه الجميع أن السلطتين التشريعية والتنفيذية "تأتمر بأمره"، ولا يُمكن أن تنتهج هذه الحالة من التسويف إزاء القانون، إلا بناءً على تعليمات صادرة منه شخصياً.

ووجه السيسي مجلس النواب بمناقشة قانون المحليات في دور الانعقاد المقبل، الذي يبدأ في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تمهيداً لإجراء الانتخابات البلدية نهاية العام الحالي، قائلاً إن "المحليات تؤدي دوراً كبيراً جداً في الرقابة على الأداء الحكومي، ونتمنى عقدها في أقرب فرصة، لأن انتخاباتها مُجمدة منذ نحو عشر سنوات". وشددت المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، على أنه لن تُجرى انتخابات محلية في البلاد، في ظل حكم الرئيس الحالي، لأنه لا يرغب في أي صوت معارض، وحتى وإن كان من داخل منظومة الدولة نفسها، موضحة أن قانون انتخابات مجلس النواب الجديد فُصل خصيصاً بنسبة مرجحة لنظام القوائم المغلقة، لقطع الطريق على ترشح أو فوز أي من المجموعة المعارضة الحالية، برغم أن عددهم لا يتجاوز 15 نائباً في أفضل الأحوال.

وبينت المصادر أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تكون في حالة استنفار قصوى عند إجراء الانتخابات النيابية، لضمان عدم تسرب أي من المعارضين للنظام إلى مقاعد البرلمان الذي يضم بضع مئات من المقاعد، وبالتالي من غير الممكن عملياً إجراء انتخابات محلية على نطاق 27 محافظة، لحسم مقاعد تزيد عن 52 ألف مقعد، مع ضمان موالاة جميع الفائزين للسلطة الحاكمة. وتابعت أن السيسي و"من معه" يرون أي صوت مخالف لتوجهاتهم هو "رأي مُعطل"، ولا بد من إقصائه، الأمر الذي يظهر بوضوح في إخراس جميع الأصوات المنتقدة، ومنعها من الحديث، سواء في الصحف أو الفضائيات، أو حتى تحت قبة البرلمان، بما يدعم فرضية عدم إجراء الانتخابات المحلية، لأن النظام يرى في أعضاء هذه المجالس أشخاصاً معطلين لمسيرة "الإنجازات"، حسب ما يرى. وأشار السيسي، في كلمته بمؤتمر الشباب السابع، إلى أهمية خروج قانون الإدارة المحلية إلى النور، وتمثيل نسبة كبيرة من الشباب في المحليات، بعد تقدم الحكومة بمشروع قانون المحليات إلى مجلس النواب في دور الانعقاد الخامس، مضيفاً "أتمنى أن يكون هناك 12 أو 13 ألفاً من الشباب في المجالس المحلية عقب إجراء الانتخابات المنتظرة، لأن الواقع يؤكد أن لدينا مشكلة في هذا الأمر".


غير أن المصادر أفادت بأن السيسي يعلم جيداً أن الحكومة قدمت بالفعل مشروعها بشأن قانون الإدارة المحلية، وأنه حبيس الأدراج بتعليمات من رئيس مجلس النواب علي عبد العال، لافتة إلى أن الأخير لا يُبالي بمخالفة المادة 242 من الدستور، التي نصت على استمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم "إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدريج، خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه في العام 2014". في موازاة ذلك، تبرأ رئيس لجنة الإدارة المحلية في البرلمان أحمد السجيني من تورط اللجنة في تعطيل تمرير القانون، بالقول إنه "أودعه مكتب رئيس البرلمان في 3 فبراير/ شباط 2017، بعد توافق اللجنة مع الحكومة على نصوص القانون، إثر عقد جلسات استماع بحضور ممثلين عن الأحزاب، والنقابات، والمجالس المتخصصة، وأساتذة الجامعات". ورأت المصادر أن الجلسات التي ترأسها السجيني كانت "صورية"، إذ قاطعها العديد من أعضاء اللجنة نتيجة رفضه مناقشة 4 مشاريع قوانين مقدمة من النواب، والاكتفاء بتمرير مشروع الحكومة الذي يقضي باستمرار نظام تعيين المحافظين، على خلاف ما يراه النواب المعارضون من أن نظام التعيين أثبت فشله الذريع منذ تطبيقه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وقالت المصادر إن "التعيين يجعل ولاء المحافظ لمن عينه (رئيس الجمهورية)، وليس للشعب في حالة انتخابه"، مشيرة إلى أن مشروع الحكومة "لا يمنح كذلك صلاحيات حقيقية للمحافظين، أو استقلال مالي وإداري، مع تقييد حق المجالس المحلية المنتخبة في سحب الثقة منهم، من خلال تشكيل مجلس تنفيذي للمحافظين، بلا رقابة شعبية على قراراته".

وسبق أن قال السيسي ضاحكاً، في منتدى تأهيل الشباب للقيادة قبل ثلاث سنوات، إن "المحليات مليئة بالفساد"، متعهداً بإجراء الانتخابات المحلية قبل نهاية العام 2016، ثم قبل نهاية 2017 في مؤتمر الشباب الثاني الذي عقد في مدينة أسوان، وقبل نهاية العام 2018 في مؤتمر الشباب الذي جرت فعالياته في فندق "ألماسة" التابع للجيش، وأخيراً، وليس آخراً، قبل نهاية العام 2019. ودللت المصادر على عدم جدية حديث السيسي، بالقول إن "الحكومة لم تخصص ميزانية لانتخابات المجالس المحلية في موازنة العام المالي 2019-2020، مع العلم أنها تتطلب ترتيبات لوجستية وأمنية، فضلاً عن عدم إعداد مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، الذي على أساسه ستجرى الانتخابات على هذا العدد الكبير من المقاعد في جميع المحافظات والمراكز والمدن والقرى".

وكانت مصادر مقربة من دوائر السلطة قد قالت، لـ"العربي الجديد"، إن كافة المحاولات التي بُذلت لخلق "النخبة الجديدة"، بدءاً من مشروع الشباب الرئاسي، وأكاديمية إعداد القادة، وغيرها من المشاريع التي أشرفت على تنفيذها أجهزة سيادية، كالاستخبارات العامة والحربية والأمن الوطني، لم تسفر بعد عن العدد اللازم لشغل مقاعد المحليات على مستوى الجمهورية. وأشارت المصادر إلى وجود تخوفات واسعة داخل أروقة النظام من تسرب عناصر شبابية تحمل أفكاراً معارضة للنظام إلى مقاعد المحليات، وكذلك من تسرب عناصر محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، نظراً لأن هناك عناصر تابعة لها في القرى والمراكز لا تزال تحتفظ بسمعة طيبة، وثقة من المحيطين بها، في مقابل تراجع شعبية النظام الحاكم خلال السنوات الأخيرة. وشهدت مصر آخر انتخابات محلية في العام 2008، والتي هيمن عليها الحزب الوطني المنحل بواقع 90 في المائة إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. غير أن المجلس العسكري الحاكم، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أصدر مرسوماً بتشكيل مجالس محلية مؤقتة إلى حين إصدار قانون المحليات، وهو التشريع الذي يظل يراوح مكانه منذ أكثر من 8 سنوات.